حياة العائلة البهائية

 

 

 

الحياة العائليّة

 

مجموعة من المقتطفات من الآثار البهائيّة ورسائل كتبها حضرة شوقي أفندي

وبيت العدل الأعظم أو كُتبت بالنّيابة عنهما

 

إعداد دائرة البحوث التابعة لبيت العدل الأعظم

آذار / مارس 2008

لاحظوا كم تصبح الأمور سهلة وبسيطة عندما يسود الاتّحاد والاتّفاق في العائلة، وأيّ تقدّم تحقّقه؛ فتنتظم أمورها، وتنعم بالرّاحة والاطمئنان، وتشعر بالأمن والأمان، وتحفظ مقامها، وتصبح موضع غبطة العموم، وتعمل على زيادة رفعة مكانتها وعزّتها الأبديّة يومًا بعد يوم.

                                                   حضرة عبد البهاء

 

 

 

            المقتطفات                                                              

 

  1. الحفاظ على الرّباط بين الزوج والزوجة …………………. 1-38
  2. العلاقات والمسؤوليّات المتبادلة بين الوالدين والأبناء…….. 39-81
  3. تعزيز الحياة العائليّة ……………………………….. 82-121

 

 


  1. الحفاظ على الرّباط بين الزوج والزوجة

مقتطفات من آثار حضرة بهاءالله المباركة

 

فلمّا أرادَ نظم العالم وإظهار الجود والكَرَم على الأمم، شرع الشرايع وأظهر المناهج وفيها سنّ سنّة النّكاح وجعله حصنًا للنّجاح والفلاح وأمرنا به فيما نُزّل من ملكوت المقدس في كتابه الأقدس.”

(رساله تسبيح وتهليل، ص 206)

[1]

       تزوّجوا يا قوم ليظهر منكم مَنْ يذكرني بين عبادي هذا من أمري عليكم اتّخذوه لأنفسكم معينًا.  

(الكتاب الأقدس، فقرة 63)

[2]

على الكلّ أن يعرف، ويفوز في هذا المقام بأنوار شمس اليقين ويتنوّر بها. كان ولم يزل الإناث والذّكور واحد عند الله كانوا وما زالوا، ومطلع نور الرّحمن قد تجلَّى بتجلٍّ واحد على الجميع. قد خلقهنّ لهم وخلقهم لهنّ، أحبّ الخلق عند الحقّ أرسخهم وأسبقهم في حبّ الله جلّ جلاله

(مجموعة من النّصوص المباركة، بالفارسيّة، حول مقام المرأة في الأمر الإلهي، ص 11)

 [3]

رأس الهمّة

       هو إنفاق المرء على نفسه وعلى أهله والفقراء من إخوته في دينه.

(مجموعة من ألواح حضرة بهاءالله (نزلت بعد الكتاب الأقدس) من منشورات دار

النشر البهائيّة في بلجيكا، ص 136)

[4]

مقتطفات من ألواح ومكاتيب حضرة عبدالبهاء

 

إنّ العقدَ البهائي هو ارتباط بين طرفين وتعلّق الخاطر بين جهتين، ولكن يجب أن يتّبع كلٌّ منهما نهاية الدّقّة في ذلك.  فيطّلعا على أخلاق بعضهما البعض، ويكون العهد الوثيق بينهما ارتباطًا أبديًّا.  ويجب أن يكون مقصدهما الألفة والرفقة والوحدة والحياة السرمديّة …

إنّ العقد الحقيقيّ للبهائيّين هو الالتئام التّام بين الطرفيْن روحًا وجسمًا حتّى يتّحدا في جميع العوالم الإلهيّة اتّحادًا أبديًّا، ويرقّي كلٌّ منهما الحياةَ الرّوحانيّة للآخر.  هذا هو العقد البهائيّ.

(مترجم عن الفارسيّة من “منتخباتي أز مكاتيب حضرت عبدالبهاء”، رقم 86، ص 115)

[5]

الزواج بين الخلق عبارة عن ارتباط جسمانيّ، وهذا الاتّحاد والاتّفاق مؤقّت، لأنّ عاقبته المقرّرة المحتومة هي الفراق الجسمانيّ.  ولكنّ زواج أهل البهاء يجب أن يكون ارتباطًا جسمانيًّا وروحانيًّا معًا.  لأنّ كليهما يسكران من نفس القدح وينجذبان إلى طلعة واحدة لا مثال لها، ويحييان بنفس الروح ويتنوّران بأنوارٍ واحدة، وهذه روابط روحانيّة واتّحاد أبديٌّ. وكذلك الأمر في العالم الجسمانيّ، فبينهما أيضًا ارتباط محكم متين.  وعندما يكون الارتباط والاتّحاد والاتّفاق من حيث الروح والجسم، فتلك وحدة حقيقيّة ولهذا تكون أبديّة.  أمّا إذا كان الاتّحاد من حيث الجسم فقط، فمن المؤكّد أنّه سيكون مؤقّتًا وعاقبته الفراق المحقَّق. لذا على أهل البهاء عندما يُقدمون على الزواج، أن يكون الاتّحاد بينهم حقيقيًّا والارتباط معنويًّا والاجتماع روحانيًّا وجسمانيًّا، حتى تكون هذه الوحدة في جميع مراتب الوجود وفي جميع العوالم الإلهيّة أبديّة، لأنّ هذه الوحدة الحقيقيّة هي جُلوة من نور محبّة الله.

(مترجم عن الفارسيّة من “منتخباتي أز آثار حضرت عبدالبهاء” رقم 84،  منشور في كتاب “الحياة البهائيّة” ص 88- ص 114)

 [6]

أيّها المؤمنان بالله، إنّ الربَّ الفريد قد خلق المرأة والرجل حتّى يتعاشرا ويعيشا في نهاية الألفة وكأنّهما نفسٌ واحدة.  فالمرأة والرجل رفيقان وأنيسان، على كلٍّ منهما أن يكون شريك الآخر في السرّاء والضرّاء.  فإذا كان الحال كذلك فسيعيشان في هذا العالم في نهاية السرور والحبور وراحة القلب والوجدان، ويصبحان في الملكوت السماويّ مظهر ألطاف الله، وإلاّ فسيمضيان عمرهما في مَرارة، ويتمنّيان الموت في كلِّ لحظة، ويكونان خجليْن ونادميْن في العالم السماويّ.

فاسعيا إذن جاهديْن حتّى تسكنا معًا قلبًا وروحًا مثل حمامتين في العشّ، لأنّ هذا هو أصل السّعادة في العالميْن.

(مترجم عن الفارسيّة من “منتخباتي أز مكاتيب حضرت عبدالبهاء” رقم 92 – ص119)

[7]

وباختصار، أساس ملكوت الله الألفة والمحبّة والوحدة، الاتّصال لا الانفصال، والاتّحاد لا الاختلاف، على الخصوص بين الزّوج والزّوجة. فإذا أصبح أحدهما سبب الطّلاق فلا بدّ أن يقع في مشقّات هائلة، ويُبتلى بوَبال عظيم ويشعر بندم شديد.

(مترجم عن لوح بالفارسيّة، من أرشيف المركز البهائي العالمي)

[8]

إنّ تأسيس العائلة أمر في غاية الأهميّة.  فالإنسان طالما هو في مرحلة الشّباب ومغترٌّ بشبابه فإنّه لا ينتبه إلى ذلك، غير أنه يتأسّف جدًّا عندما يشيخ… يجب أن تكون حياة العائلة في هذا الأمر كحياة ملائكة السّماء مصدر روحانيّة وسرور واتّفاق واتّحاد وأن تكون مرافقة جسمانيّة وعقلانيّة ويجب أن يكون البيت منظّمًا ومرتبًا وأفكارهما كأشعة شمس الحقيقة ونجوم السّماء اللاّمعة ويجب أن يكونا كطائرين مغردين على أغصان شجرة الوحدة والمودّة وأن يكونا في فرح وسرور دائمين ويكونا سببًا لسرور قلوب الآخرين ويكونا قدوة لغيرهم ويجب أن تكون محبة كل منهما للآخر محبّة صميمة وحقيقيّة وأن يربيا أطفالهما تربية حسنة ليصبحوا مدار فخر لتلك العائلة وحسن صيتها.

(مترجم عن لوح بالفارسيّة، “ﮔنجينه حدود وأحكام، ص 161، منشور في “الحياة البهائيّة ص 88-89)

[9]

في الاقتران، الأبعد هو الأفضل، لأنّ بُعد النّسبة والقرابة بين الزّوج والزّوجة هو سبب صحّة بنية البشر وعلّة الألفة بين النّوع الإنساني.

(مترجم عن لوح بالفارسيّة، من أرشيف المركز البهائي العالمي)

[10]

في الزّواج تقتضي الحكمة الإلهيّة أن يكونا من أجناس بعيدة، أيّ كلّما زاد البُعد في القرابة بين الزّوجين، كلّما كانت السّلالة أقوى وأجمل وأكثر صحّة وعافية.

(مترجم عن لوح بالفارسيّة، من أرشيف المركز البهائي العالمي)

[11]

من المؤكّد أنّه يجب دعوة الجميع اليوم إلى المحبّة والاتّحاد والألفة والشّفقة والنّزاهة والصّلح والمودّة وعبادة الحقّ. أملي أن تستمرّي أنتِ وزوجك العزيز في الخدمة بنهاية الرّوح والرّيحان، وتصبحا شمعتين منيرتين للهداية في هذا العالم، ونجمين ساطعين يتلألآن في الأفق الأبديّ.

(مترجم عن لوح بالفارسيّة، من أرشيف المركز البهائي العالمي)

[12]

       أمّا قرينك الكريم، يقتضي أن تعامليه أحسن معاملة وتواظبي على رضائه والمداراة معه في كلِّ الأحوال حتّى يرى بأنّك بتوجّهك إلى ملكوت الله زادت رأفتك معه ومحبّتك له ومراعاتك لرضائه في كلِّ حال، وإنّي أتضرّع إلى الله أن يجعلكِ مستقيمةً على حبّ الله وناشرة لنفحات القدس في تلك البقاع.

(“منتخباتي أز مكاتيب حضرت عبدالبهاء”، رقم 91، ص 119)

 [13]

لقد وصلت الرّسالة، إنّ زوجك العزيز يريد إكمال علومه وأنت تستعجلين الذّهاب إلى أفريقيا. الآن عليكما بالمشورة مع بعضكما، وبحث الموضوع بغاية المحبّة، واتّخاذ قرار سليم معًا، بكمال الاتّحاد والاتّفاق، لأنّ الزّوج والزّوجة يجب أن يكونا شخصًا واحدًا حتّى يكون التّوفيق حليفهما في كلّ أمر.

(مترجم عن لوح بالفارسيّة، من أرشيف المركز البهائي العالمي)

[14]

       وأمّا ما سألت هل الرّجل يمنع القرينة الدّخول في النّور أم القرينة تمنع الرّجل عن الدّخول في ملكوت الله. فالحقيقة أنّ كلاهما لا يمنع أحدهما الآخر عن الدّخول في ملكوت الله إلاّ بكثرة تعلّق القرين للقرينة أم القرينة للقرين. كلّ واحد منهما إذا أخذ الآخر معبودًا من دون الله، فيمنعه عن الدّخول في ملكوت الله.

(مجموعة من النّصوص المباركة في مقام المرأة في الدّين البهائي بالفارسيّة)

[15]

مقتطفات من رسائل كُتبت نيابة عن حضرة شوقي أفندي

 

إنّه لممّا يبعث الحزن والأسى … أن لا يتّفق الأزواج والزوجات على الدّوام. في جميع تلك الحالات، أعتقد بأنّ مولانا الرّاحل قد حثّ المؤمنات البهائيّات اللواتي لا يتعاطف أزواجهنّ مع عملهنّ، أن يولين الموضوع غاية الحرص والاهتمام.  فيرى حضرته أنّ كسب أزواجهنّ إلى جانبهنّ ربّما يتأتّى بالمحبّة أكثر منه بالجدال. إلاّ أنّه من المؤسف حقًا أنّه إذا اعترض على عملها في خدمة الأمر المبارك، فعندها يكون ما تقدّمه لعائلتها فوق كلِّ اعتبار.

(من رسالة مؤرّخة 20 آذار / مارس 1928 لأحد الأحبّاء)

[16]    

إنّه لأمر مؤسف للغاية أن يبرز اختلاف كهذا في الرأي والاعتقاد بين الزوجيْن. لأنّه بلا شكّ يُضعف تلك الرّابطة الرّوحيّة التي تعدّ الحصن الحصين لرباط الزوجيّة، خاصّة في أوقات الشدّة.  إلاّ أنّ أسلوب العلاج ليس التصرّف بطريقة تنفّر الطرف الآخر وتبعده.  إنّ أحد أهداف أمر الله حقًا تقوية الروابط في بيت الزّوجيّة.  وعليه، فإنّ حضرة المولى، في جميع الحالات المماثلة، اعتاد أن يوصي بالامتثال لرغبات الطرف الآخر والدّعاء.  ابتهلي عسى أن يرى زوجكِ الّنور تدريجيًّا، وفي الوقت نفسه تصرّفي بحيث تجذبيه أقرب إليك لا أن تتحاملي عليه.  وعندما يحلّ الوئام والانسجام، ستتمكّنين من الخدمة دون عائق.

(من رسالة مؤرّخة 15 تموز / يوليو 1928 لأحد الأحبّاء)

[17]

إنّ حضرة شوقي أفندي على ثقة بأنّ زوجتكَ … ستتمكّن من تكريس المزيد من الوقت من أجل عائلتها، إلاّ أنّ حضرته يأمل أيضًا أن تتمكّن من مساعدتها في انتهاز الفرصة والوقت لخدمة أمر إلهيّ عزيز جدًّا عليها، وقريب من قلبها، وخدماتها فيه موضع تقدير كبير.

(من رسالة مؤرّخة 19 حزيران / يونيو 1931 لأحد الأحبّاء)

[18]

بالإشارة إلى سؤالك الخاصّ بطبيعة الزواج البهائي وخصائصه: فكما ذكرتَ، بالضّبط، فإنّ مثل هذا الزواج مشروط بالموافقة الكاملة لوالديّ الطّرفين جميعهم، كما أنّ ما ذكرته عن أنّ مبدأ وحدة الجنس البشري يمنع أيّ بهائيّ حقيقيّ من اعتبار العِرْق بحدّ ذاته عائقًا للزواج، يتّفق تمامًا مع تعاليم الأمر المبارك في هذا المقام.  فحضرة بهاءالله وحضرة عبدالبهاء كلاهما لمْ يرفضا أبدًا فكرة الزواج بين الأعراق ولم يثنيا أحدًا عنه.  إنّ التعاليم البهائيّة في الحقيقة تسمو بطبيعتها فوق كافّة الحدود والقيود التي يفرضها العرق، ولذلك فهي لا تماثل أيّة مدرسة لفلسفة عرقيّة محدّدة، ولا يمكن لها أن تكون كذلك.

(من رسالة مؤرّخة 27 كانون الثاني / يناير 1935 لأحد المحافل الرّوحانيّة المركزيّة)

[19]

وعليه، فإنّ المعيار الأخلاقي للجنس في الدّين البهائي سامٍ ورفيع، إلاّ أنّه لا يخرج عن حدّ المنطق والمعقول في صرامته بأيّ حال من الأحوال.  فبينما يَشجب المعيار كلّ علاقة جنسيّة خارج إطار الزوجيّة، فإنّ الزواج في نظره فعلٌ مقدّس يُشجَّع عليه كلّ إنسان ولكن دون إكراه.  فالغريزة الجنسيّة شأنها شأن باقي الغرائز الإنسانيّة ليست بالضّرورة شيطانيّة. فهي قوّة يمكنها أن تجلب للفرد البهجة والرّضا إذا ما اُحسن توجيهها.  إمّا إذا أُسيء استخدامها أو تمّ إفسادها، فإنّها بالطبع ستجلب الضّرر البالغ الذي لا يمكن حصره، ليس للفرد نفسه فقط بل للمجتمع الذي يعيش فيه أيضًا.  وبينما يشجب البهائيّون حياة التنسّك وكافة الممارسات المتطرّفة في إماتة الجسد بكبت شهواته، فإنّهم في الوقت نفسه ينظرون بازدراء إلى النظريّات الحاليّة الخاصّة بأخلاقيّات الجنس، والتي لا يمكن لها أن تجلب للمجتمع الإنسانيّ سوى الدّمار والهلاك.

(من رسالة مؤرّخة 29 أيّار / مايو 1935 لأحد الأحبّاء)

[20]

ولأنّ حضرة بهاءالله صرّح في كتاب أحكامه أنّ الغاية الأساسيّة من الزواج هي إنجاب أطفال يعرفون الله عندما يكبرون وقادرين على إدراك أوامره والعمل بأحكامه التي نزلت على لسان رسله،   فإنّ الزواج حسب التعاليم البهائيّة هو في الأصل شِرْعة اجتماعية وأخلاقيّة، لها غاية تسمو فوق احتياجات الشخص واهتمامات الوالديْن الآنيّة.

(من رسالة مؤرّخة 14 تشرين الأوّل / أُكتوبر 1935 لأحد الأحبّاء)

[21]

بخصوص موقف زوجك من الأمر المبارك: مهما قد يكون غير ودّيٍّ، فيجب أن يكون أملك دومًا أنّه بالوسائل الوديّة الباعثة على الوفاق، وبالجهود المتّسمة بالحكمة واللباقة والصبر، سيكون بمقدورك النجاح في كسب تعاطفه مع أمر الله تدريجيًّا، وعليكِ ألاّ تحاولي تحت أيّ ظرف من  الظروف أن تُملي عليه معتقداتك الدينيّة الشخصيّة وتفرضيها بالقوّة، ولا أن تسمحي لمعارضته أمر الله أن تعيق جدّيًّا نشاطاتك في نشر نفحاته … عليكِ أن تعملي بالصّبر والّلباقة والثّقة التّامة بأنّ حضرة بهاءالله سيؤيّدك ويسدّد خطاكِ فيما تعملين.

(من رسالة مؤرّخة 23 تموز / يوليو 1937 لأحد الأحبّاء)

  [22]

ولكن، بينما يوافق حضرة وليّ أمرالله تمامًا على رغبتكِ في تكريس حياتك بكاملها لخدمة أمر الله، إلاّ أنّه يشعر أيضًا بضرورة لفت انتباهك لحقيقة أنّه في حال زواجك فسيكون من واجبك كزوجة بهائيّة ألاّ تُهملي واجباتك المنزليّة التي تُشكّل في الحقيقة جزءًا هامًّا وحيويًّا من نشاطك البهائيّ العامّ، ومع أنّ الاعتبارات العائليّة يجب أن تخضع بالطبع للمصالح الجماعيّة لأمر الله وازدهاره، إلاّ أنّه يجب إيلاؤها ما تستحقّ من أهميّة إذا كان البهائيّ راغبًا في أن يعيش حياة طبيعيّة متوازنة جيّدًا وبنّاءة.  إنّ الولاءات التي تواجه البهائيّ ليست متساوية في درجة إلزامها وأهميّتها ولكن ذلك لا يجعلها بالضرورة غير قابلة للتوفيق فيما بينها.

(من رسالة مؤرّخة 23 تشرين الثاني / نوﭭمبر 1937 لأحد الأحبّاء)

[23]

باختصار، فإنّ نظرة البهائيّة للجنس قائمة على الاعتقاد بأنّ العفّة ضروريّة للجنسين، ليس كونها فضيلة بحدّ ذاتها فحسب، بل لأنّها الطريق الوحيد نحو حياة زوجيّة سعيدة وناجحة أيضًا.  وعليه، فإنّ العلاقات الجنسيّة خارج نطاق الزوجيّة ممنوعة قطعًا مهما كان شكلها، وكلّ مخالف لن يُحاسب فقط أمام الله بل سيعرّض نفسه أيضًا للعقاب الضروريّ من المجتمع.

إنّ الدين البهائي يقرّ بأهميّة الحافز الجنسي ولكنّه يشجب التعبير الخاطئ وغير الشرعي عنه، كالممارسة الجنسيّة الحرّة والزواج الرفاقي وغيره ممّا يُعدّه الدين البهائي ضارًّا جدًّا بالإنسان ومجتمعه.  إنّ التعبير السليم عن ذلك الحافز حقّ مشروع لكلّ فرد ولهذا نزّلت شريعة الزواج.  إنّ البهائيّين لا يؤمنون بكبت الحافز الجنسي بل بتنظيمه وضبطه.

(من رسالة مؤرّخة 5 أيلول/ سبتمبر 1938 لأحد الأحبّاء، منشورة في كتيّب

“العفّة والتقديس” من منشورات دار النشر البهائيّة في البرازيل 1990)

[24]

أنّ مؤسّسة الزواج، كما أَرسى قواعدها حضرة بهاءالله، بينما هي تُعطي للنّاحية الجسديّة من رباط الزوجيّة ما تستحقّه من أهميّة، فإنّها تعتبرها ثانويّة بالنسبة للغايات والوظائف الرّوحانيّة والأخلاقيّة التي وهبها إيّاها الله الحكيم الودود.  وعندما تنال كلٌّ من هذه القِيَم المختلفة أهميّتها التي تستحقّ، وتخضع النواحي الجسديّة للأخلاقيّة، والجوانب الدنيويّة للرّوحانيّة، عندها فقط يُمكن أن نتجنّب مثل هذه التجاوزات والانحلال في العلاقات الزوجيّة التي يشهدها ويا للأسف عصرنا الآخذ بالتدهور والانحطاط، وتستعيد الحياة العائليّة طهارتها ونقاءها الأصليّ وتقوم بوظيفتها الحقيقيّة التي أسّسها الله من أجلها.

(من رسالة مؤرّخة 8 أيّار / مايو 1939 لأحد الأحبّاء)

[25]                                            

إنّ المسألة التي أثرتها بخصوص المكان الذي يشغله في حياة فرد رباطٌ عميقٌ من المحبّة مع شخص آخر يقابله غير الزوج أو الزوجة، يُمكن توضيحها بسهولة من وجهة التّعاليم المباركة.  فالعفّة تقتضي حياة جنسيّة طاهرة لا تشوبها شائبة أكانت قبل الزواج أم بعده.  وعلى الإنسان أن يكون عفيفًا تمامًا قبل الزواج ومخلصًا وفيًّا للرفيق الذي يختاره بعد الزواج.  مخلصًا وفيًّا في جميع التّصرفات الجنسيّة ومخلصًا وفيًّا في القول والفعل…

… خارج نطاق حياتهم الزوجيّة الطبيعيّة الشرعيّة عليهم أن ينسجوا بأفعالهم روابط الألفة والمحبّة الأبديّة المبنيّة على الحياة الروحيّة للإنسان لا على نزواته الجسمانيّة بحيث يكونون في هذا المضمار قدوة، وفي أفعالهم مقياسًا لحياة البشريّة الحقّة حيث تكون روح الإنسان في أعلى المقام وما جسده إلاّ تلك الأداة الطيّعة لروحه المستنيرة.  وغني عن القول أن هذا لا يمنع من ممارسة حياة جنسيّة طبيعيّة كاملة ضمن قناة الزواج الشرعيّة.

(من رسالة مؤرّخة 28 أيلول / سبتمبر 1941 لأحد الأحبّاء، منشورة في كتيّب “العفّة والتّقديس”)

[26]

يأسف حضرته جدًّا لعلمه بالصّعوبات التي برزت بينكِ وبين زوجك بخصوص تربية أطفالكما.  في جميع الحالات التي يتزوّج فيها البهائيّون من غير البهائيّين، خاصّة من دين آخر، عليهم أن يتفاهموا قبل الزواج فيما يتعلّق بالتّربية الدينيّة لأطفالهم في المستقبل.  أمّا إذا لم يتمّ ذلك ولمْ يكن بمقدور الوالديْن الوصول إلى اتّفاق بهذا الشأن، فعلى الطرف البهائيّ أن يطلب النّصيحة من محفله الرّوحانيّ.

(من رسالة مؤرّخة 8 أيلول / سبتمبر 1947 لأحد الأحبّاء)

[27]

لدى حضرته شعور قويّ جدًّا بأنّ على البهائيّين، وخاصّة الذين يخدمون أمر الله بنشاط بارز كما تفعل أنت وعائلتك، أن يكونوا، قدر الإمكان، مثالاً يُحتذى للمؤمنين الجدد والشباب البهائيّ بكلّ السُبُل.  وحيث أنّ حضرة بهاءالله يبغض الطلاق (رغم سماحه به) واعتبر الزواج من أكثر المسؤوليّات قداسة، فعلى المؤمنين أن يبذلوا كلّ ما في وسعهم للحفاظ على عهود الزواج التي أبرموها ويجعلوا منها اتّحادًا يُقتدى به تحكمه أنبل الأهداف وأشرفها.

(من رسالة مؤرّخة 19 تشرين الأوّل / أكتوبر 1947 لأحد الأحبّاء)

  [28]

إنّ مشاكل الزواج غالبًا ما تكون معقّدة ودقيقة.  وعلينا نحن البهائيّين، كأناس متنوّرين تقدّميّين، ألاّ نتردّد في اللجوء إلى العِلم طلبًا للمساعدة في مثل هذه الأمور إذا بدا ذلك ضروريًّا أو مرغوبًا.  فلو تحدّثتِ أنتِ وزوجك، معًا أو فُرادى، عن مشاكلكما مع طبيب حاذق فقد تجدين أنّ باستطاعتكِ معالجة زوجك أو محاولة ذلك على الأقل.  إنّه من المؤسف جدًّا ألاّ يكون بمقدور مؤمنيْن اثنيْن، أن يعيشا معًا في وئام وانسجام حقيقيّ وقد اتّحدا في ظل هذا الأمر المجيد وبوركا بتكوين عائلة. ويشعر حضرته أنّ عليكِ القيام بعمل بنّاء وألاّ تسمحي بتفاقم الوضع.  وعندما يخيّم شبح الانفصال على الزوجيْن فعليهما أن يبذلا كلّ ما لديهما من جهد لتجنّب أن يُصبح ذلك الشبح حقيقة واقعة.

(من رسالة مؤرّخة 5 تموز / يوليو 1949 لأحد الأحبّاء)

[29]

إنّ حضرته ينصحكِ أن تُحاولي، لفترة من الوقت على الأقلّ، تهدئة زوجك بتكريس نفسِكِ له، وبإظهار المحبّة والصبر.  ربّما بهذه الطريقة قد تستطيعين التخفيف من معارضته لأمرالله، إلاّ أنّه لا يحقّ له أن يحاول إجبارك على التخلي عنه، فعلاقة النفس بخالقها هي علاقة شخصيّة وقدسيّة بحتة، وليس لأحد الحقّ في أن يُملي إرادته في مثل هذه الأمور.

(من رسالة مؤرّخة 17 شباط / فبراير 1950 لأحد الأحبّاء)

[30]

مقتطفات من رسائل كتبها بيت العدل الأعظم أو كُتبت بالنيابة عنه

 

لقد جاء حضرة بهاءالله لتحقيق الوحدة والاتّحاد في هذا العالم، وأحد أركانه الأساسيّة وحدة العائلة واتّحادها، لذا علينا أن نؤمن بأنّ هدف أمرالله تقوية العائلة لا إضعافها.  فخدمة أمرالله مثلاً يجب أن لا تؤدّي إلى إهمال العائلة.  فمن المهمّ لكِ أن تنظّمي وقتكِ بحيث يسود التآلف والانسجام حياتكِ العائليّة، وتنال أسرتك ما تحتاجه من رعاية واهتمام.

لقد شدّد حضرة بهاءالله أيضًا على أهميّة المشورة، ويجب ألاّ يتبادر إلى ذهننا بأنّ هذا النهج القيّم للوصول إلى الحلول المناسبة مقصور على مؤسّسات الأمر المبارك الإداريّة. فالمشورة العائليّة في جوّ من المناقشات الصريحة الكاملة، والوعي بالحاجة إلى وجود التوازن والاعتدال قد تكون العلاج الناجع للخلافات العائليّة.  على الزوجات ألاّ يحاولن السّيطرة على أزواجهنّ وعلى الأزواج مثل ذلك.

(من رسالة مؤرّخة 1 آب / أغسطس 1978 كُتبت بالنيابة عن بيت العدل الأعظم لأحد الأحبّاء)

[31]

إنّ اللوح المبارك لحضرة عبدالبهاء… الذي أشرتَ إليه في الفقرة الأولى من رسالتكَ ما هو إلاّ نصح وموعظة بحتة وليس أمرًا[1].  وبالإضافة إلى ذلك فقد أُنزل بحقّ بعض إماء الرحمن البهائيّات في إيران اللواتي لا بدّ وأنّهنّ قد كتبن لحضرة عبدالبهاء طلبًا للهداية والإرشاد بالنسبة لوضع معيّن.  وللأسف فإنّ الظروف التي رافقت نزول اللوح المبارك غير معروفة، لأنَّ الرسالة الواردة أو الطلب لمْ يعثر عليه.  لذلك يجب اعتبار المقتطف نصيحة جاءت لتعالج وضعًا معيّنًا.  وهذا المقتطف، ومثله الكثير، قد أُدرج في المجموعة ليزوّد الأحبّاء بالآثار المباركة المتوفّرة حول الجوانب المختلفة من الحياة العائليّة.

لقد تمّ تدقيق الترجمة وليس هناك شكّ أنَّ النصّ المُعطى بالإنجليزيّة صحيح.

وكما ذكرت فإنّ مبدأ مساواة الرجال والنساء جليّ لا لبس فيه، فالآثار المباركة حول الموضوع واضحة وغير مبهمة، ولقد وضّح بيت العدل الأعظم مرّة بعد أخرى بأنَّ هناك أوقاتًا على الزوجيْن فيها أن يمتثل أحدهما لرغبة الآخر، أمّا الظروف التي يجب أن يتمّ فيها هذا الامتثال بالتحديد فهو أمر متروك لكلٍّ من الزوجين ليقرّرانه.  وإذا فشلا، لا سمح الله، في الوصول إلى اتّفاق وأدّى خلافهما إلى النفور والتباعد، فعليهما أن ينشدا نصيحة أولئك الذين يأتمنانهم ويثقان في إخلاصهم وسداد رأيهم، حتّى يحافظا على رابطتهما كعائلة متّحدة ويقوّيانها.

يأمل بيت العدل الأعظم أن يساعد التّوضيح الوارد أعلاه في إزالة حيرتكما بخصوص حقوق الزوج والزوجة في العائلة.  ومع ذلك فقد ترغبان في الرجوع إلى المجموعة التي صدرت حديثًا عن “النساء” لمزيد من الاستنارة.

(من رسالة مؤرّخة 2 تشرين الأوّل/ أكتوبر 1986 كُتبت بالنيابة عن بيت العدل الأعظم لأحد الأحبّاء)

[32]

كما تعلم، فإنّ مبدأ وحدة الجنس البشريّ قد وصفته الكتابات البهائيّة بأنّه المحور الذي تدور حوله كافّة التعاليم البهائيّة، وله مضامين واسعة تؤثّرعلى جميع أبعاد النشاطات الإنسانيّة وتعيد تشكيلها، ويدعو إلى تغيير جذريّ في تصرّفات الناس من حيث علاقة كلٍّ منهم بالآخر، ومحو تلك التقاليد العتيقة التي تُنكر حقّ الإنسان الجوهريّ في معاملة كلّ فرد بالمراعاة والاهتمام.

وضمن تشكيلة العائلة، يجب احترام حقوق كلّ فرد فيها فقد تفضّل حضرة عبدالبهاء:

إنّ سلامة الروابط العائليّة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار باستمرار، وحقوق أفرادها يجب أن لا تُنتهك، فحقوق الإبن والأب والأم جميعها يجب عدم انتهاكها، كما يجب ألاّ تكون اعتباطيّة.  فكما أنَّ للولد واجبات معيّنة تجاه والده، فكذلك للوالد واجبات معيّنة تجاه ولده.  والأم والأخت وسائر أفراد العائلة لديهم امتيازات معيّنة. فكلّ هذه الحقوق والامتيازات يجب المحافظة عليها…

إنّ استعمال القوّة من قِبَل القويّ جسديًّا ضدّ الضعيف كوسيلة لفرض إرادة الشخص وتحقيق رغباته، هو انتهاك فاضح للتعاليم البهائيّة.  ولا يُمكن أن يكون هناك مبرّر لأيّ شخص لأن يملي إرادته على آخر، باستعمال القوّة أو بالتهديد بالعنف، ليفعل ما لا يرغب الآخر في فعله.  لقد كتب حضرة عبدالبهاء: “يا أحبّاء الله! في هذا الدّور الإلهي الجبر والعنف والزّجر والقهر مذمومين…”.  فليتذكّر أولئك الذين قد يحاولون ممارسة العنف مع إنسان آخر، تقودهم أهواؤهم أو عجزهم عن ممارسة ضبط النفس في التحكّم بغضبهم، فليتذكّروا شجب وإدانة الظهور البهائي لمثل هذا السلوك المشين.

من علامات الانحطاط الأخلاقيّ في النظام الاجتماعي المتدهور، ارتفاع نسبة حوادث العنف ضمن العائلة، والزيادة في تحقير الزوجيْن والأطفال ومعاملتهم بقسوة، وانتشار الإساءة الجنسيّة. ومن الضروري لأفراد جامعة الاسم الأعظم أن يحرصوا تمام الحرص لئلا ينقادوا إلى قبول مثل هذه الممارسات بسبب انتشارها.  عليهم أن يتذكّروا دائمًا واجبهم بأن يكونوا مثالاً لأسلوب جديد للحياة يتميّز باحترام كرامة جميع الناس وحقوقهم، كما يتميّز باتجاهاته الأخلاقيّة السامية، وتحرّره من الظلم والاضطهاد وكلّ أنواع الإساءة.

لقد أمر حضرة بهاءالله بالمشورة كوسيلة للوصول إلى الاتّفاق وتحديد مسار العمل الجماعي.  وهي قابلة للتطبيق بين شريكي الزواج والعائلة وفي الحقيقة في جميع المجالات التي يشارك فيها المؤمنون في صنع قرار مشترك.  والمشورة تستلزم من جميع المشاركين فيها التعبيرعن آرائهم بكامل الحريّة وبدون الخشية من الملامة والانتقاد أو تحقير وجهات نظرهم، ومتطلبات النجاح هذه لا يمكن تحقيقها بوجود الخوف من العنف أو الإساءة.

إنّ عددًا من أسئلتك تتعلّق بمعاملة النساء، ويُمكن التفكّر فيها على أفضل وجه في ضوء مبدأ المساواة بين الجنسين الذي نصّت عليه التعاليم البهائيّة.  وهذا المبدأ يرمي إلى أبعد بكثير من إعلان مثاليّات تثير الإعجاب، فله مضامين عميقة في جميع جوانب العلاقات الإنسانيّة، ويجب أن يكون عنصرًا مكمّلاً في الحياة الاجتماعيّة والعائليّة البهائيّة. وتطبيق هذا المبدأ يؤدّي إلى ظهور تغييرات في العادات والممارسات التي سادت قرونًا عديدة.  ومثال ذلك موجود في الردّ الذي جاء نيابة عن حضرة وليّ أمرالله على سؤال ما إذا كانت التّعاليم البهائيّة ستغيّر العادة التقليديّة المتّبعة في أن  يتقدّم الرجل بطلب الزواج من المرأة، لتسمح للمرأة بالمبادرة بطلب الزواج من الرجل.  والجواب هو “يرغب حضرة ولي أمرالله أن يبيّن أنّ هناك مساواة تامّة بين الإثنين ولا يُسمح بأيّ تمييز أو ترجيح بينهما…” ومع مرور الوقت، والبهائيّون رجالاً ونساءً يسعون إلى تطبيق مبدأ المساواة بين الجنسين على نحو أفضل، سيفوزون بإدراك أعمق للنّتائج بعيدة المدى لهذا المبدأ الحيويّ.  وكما تفضّل حضرة عبدالبهاء: “ما لم تتحقّق المساواة التّامة في الحقوق بين الذّكور والإناث فلن يصل العالم الإنساني إلى أعلى درجات التّرقّي.”

لقد حثّ بيت العدل الأعظم في السنوات الأخيرة على أن يتمّ تشجيع النساء والبنات البهائيّات للمشاركة بمقدار أعظم في النشاطات الاجتماعيّة والرّوحانيّة والإداريّة لجامعاتهنّ، وناشد النساء البهائيّات للنهوض وإبراز أهميّة دورهنّ في جميع مجالات الخدمة الأمريّة.

إنّ فرض الرّجل إرادته على المرأة بالقوّة يعدّ انتهاكًا سافرًا للتعاليم البهائيّة فقد تفضّل حضرة عبدالبهاء:

“كان العالم في العهود السالفة أسير سطوة الرجال تحكمه قسوتهم وتسلّطهم على  النساء بصلابة أجسامهم وقوّة عقولهم وسيطرة شدّتهم، أمّا اليوم فقد اضطربت تلك الموازين وتغيّرت واتّجه العنف جهة الاضمحلال، لأنّ الذكاء والمهارة الفطريّة والصفات الرّوحانيّة من المحبّة والخدمة التي تتجلّى في النساء تجليًّا عظيمًا صارت تزداد سموًّا يومًا فيومًا.”

إنّ لدى الرجال البهائيّين الفرصة ليُظهروا للعالم من حولهم نهجًا جديدًا للعلاقة بين الجنسين حيث يُمحى العدوان واستعمال القوّة ويُستبدلان بالتعاون والمشورة.  لقد أشار بيت العدل الأعظم ردًّا على أسئلة وُجّهت إليه أنّه في الرّباط الزّوجيّ، يجب ألاّ يقوم الزوج ولا الزوجة أبدًا بالسيطرة على الآخر ظُلمًا، وأنّ هناك أوقاتًا على الزّوجين فيها أن يمتثل أحدهما للآخر، وإذا لمْ يتمّ الوصول إلى اتّفاق بينهما عن طريق المشورة، فعلى كلّ زوجيْن أن يقرّرا في ظلّ أيّة ظروف بالتحديد يجب أن يحدث هذا الامتثال.

وقد نزل من قلم حضرة بهاءالله نفسه البيان التالي في موضوع معاملة المرأة:

على أحبّاء الله أن يتزيّنوا بطراز العدل والإنصاف والشفقة والمحبّة، وكما لا يبيحون أن ينزل بهم الظّلم والتّعدّي، فكذلك لا يُباح لهم إنزاله بإماء الرّحمن. “إنّه ينطق بالحقّ ويأمر بما ينتفع به عباده وإماءه، إنّه وليّ الكلّ في الدنيا والآخرة.”

لا ينبغي على الزّوج البهائي ضرب زوجته على الإطلاق، أو إخضاعها  لأيّ شكل من أشكال المعاملة القاسية، فعمل كهذا إنّما هو إساءة غير مقبولة للعلاقة الزّوجيّة ومنافٍ لتعاليم حضرة بهاءالله.

إنّ الافتقار إلى القيم الرّوحانيّة في المجتمع يقود إلى انحطاط المواقف السلوكيّة التي يجب أن تحكم العلاقة بين الجنسين، فتُعامَل النساء على أنّهنّ مجرّد وجود لإشباع الرغبات الجنسيّة، فيُحرمن الاحترام وحُسن المعاملة اللذين هما من حقّ كلّ إنسان.  لقد حذّرنا حضرة بهاءالله بقوله: “إنّ الذين يرتكبون الفحشاء أولئك ضلّ سعيهم وكانوا من الخاسرين.”على الأحبّاء أن يُفكّروا مليًّا في المُثُل العُليا للسلوك التي دعوا أن يطمحوا في الوصول إليها كما جاء في بيان حضرة بهاءالله الخاص ﺒِ “أتباعه الحقيقيين” بأنّهم “عبادٌ … لو يردن عليهم ذوات الجمال بأحسن الطراز لا ترتدّ إليهنّ أبصارهم بالهوى أولئك خُلقوا من التقوى كذلك يُعلّمكم قلم القِدم من لدن ربّكم العزيز الوهّاب.”               

إنّ إحدى أكثر الإساءات الجنسيّة شناعة هي جريمة الاغتصاب، وعندما تكون المؤمنة ضحيّته فإنّها تستحقّ المساعدة الحبيّة والدّعم الكامل من أفراد جامعتها.  ولها الحريّة إذا رغبت في مقاضاة المعتدي في ظل قوانين البلد المعمول بها.  وإذا حدث الحمل نتيجة الاغتصاب فيجب ألاّ تقوم المؤسّسات البهائيّة بالضغط عليها للزواج.  أمّا بالنسبة لقرار استمرارها في الحمل أو الإجهاض، فالأمر راجع إليها في اختيار الطريق الذي ستسلكه آخذة في الإعتبار ما يترتّب على ذلك من عوامل طبيّة وغيرها، وفي ضوء التعاليم البهائيّة.  وإذا أنجبت طفلاً هو ثمرة الاغتصاب، فلها حريّة الاختيار في طلب الدعم الماديّ لإعالة ابنها من الوالد، إلاّ أنّ مطالبتَه بأيّة حقوق أبويَّة، وفقًا للقوانين البهائيّة، يجب أن تخضع للبحث والتّدقيق في ظلّ الظّروف القائمة.

لقد وضّح حضرة وليّ أمر الله في رسائل كُتبت بالنيابة عنه بأنّ: “الدين البهائيّ يقرّ بأهميّة الحافز الجنسيّ” وأنّ “التعبير السليم عن الغريزة الجنسيّة حقٌّ مشروع لكلّ فرد، ولهذا نزلت شريعة الزواج.”  ففي هذا السّياق من العلاقة الزوجيّة، كما هو الحال في جميع العلاقات الأخرى، يجب توفّر عنصر المراعاة والاحترام المتبادليْن، فإذا عانت المرأة البهائيّة من الإساءة أو تعرّضت للاغتصاب من قِبَل زوجها، فلها الحقّ بالتّوجه إلى المحفل الرّوحاني طلبًا للمساعدة والنصيحة، أو طلب الحماية القانونيّة.  إنّ مثل هذه الإساءة تعرّض استمراريّة الزواج لأفدح المخاطر، وقد تؤدّي بالفعل إلى حالةٍ من الكراهيّة لا تقبل المصالحة.

(من رسالة مؤرّخة 24 كانون الثاني/ يناير 1993 كُتبت بالنيابة عن بيت العدل الأعظم لأحد الأحبّاء)

[33]

وفي… معرض الردّ على أحد الأحبّاء الذي طلب فهمًا أعمق للعبارة التي تشير إلى الوالد على أنّه ربّ الأسرة، جاء في رسالة كُتبت نيابة عن بيت العدل الأعظم ما يلي:

كما أشرتَ في رسالتك فقد ذكر بيت العدل الأعظم أنّه استدلالاً بعدد من المسؤوليات الملقاة على عاتق الوالد، يمكن اعتباره “ربّ الأسرة”، إلاّ أنّ هذا الاصطلاح ليس له المعنى نفسه الذي يُستعمل بوجه عام، بل يجب أن ننشد معنى جديدًا له في ضوء مبدأ مساواة الرجل والمرأة وبيانات بيت العدل الأعظم التي مفادها أنّه لا الزوج ولا الزوجة يجب أن يسيطر أحدهما على الآخر ظلمًا بتاتًا.  لقد ذكر بيت العدل الأعظم في وقت سابق ردًّا على استفسارٍ من أحد المؤمنين أنّ استعمال الاصطلاح “ربّ الأسرة” لا يضفي عليه التفوّق كما لا يُكسبه حقوقًا خاصّة للانتقاص من حقوق باقي أفراد العائلة…” كما ذكر أنّه إذا تعذّر الوصول إلى اتفاق بعد المشورة الودّيّة فهناك أوقات على الزوجة فيها أن تمتثل لرغبة زوجها، وأوقات أخرى على الزوج أن يمتثل لرغبة زوجته، ولكن يجب ألاّ يسيطر أيٌّ منهما على الآخر ظلمًا بتاتًا.” وهذا يناقض بوضوح الاستعمال التقليديّ لاصطلاح “ربّ الأسرة” الذي يرافقه في الغالب الحقّ المطلق لاتّخاذ القرارات عندما يتعذّر الوصول إلى اتّفاقٍ بين الزوجيْن.

(من رسالة مؤرّخة 15 تموز/ يوليو 1993 كُتبت بالنيابة عن بيت العدل الأعظم لأحد الأحبّاء)

[34]

إنّ الحفاظ على الوحدة والاتّحاد بين الزوجيْن لهو أمر في غاية الأهميّة، وإذا كانت خدمة أمر الله ستعمل على إضعافها فيجب إيجاد حلّ لعلاج هذا الموضوع.

وبكلمات أخرى، مهما كان الطريق الذي تختاره فيجب أن يكون طريقًا يخدم مصالح الأمر المبارك ويسهّل تقوية دعائم اتّحاد الزوجيّة في آن معًا.  ستلاحظ من المقتطف التالي من رسالة كُتبت نيابة عن حضرة وليّ أمر الله المحبوب أنّ الأحبّاء ما كانوا ليُشجَّعون يومًا لاستعمال خدمة أمر الله كذريعة لإهمال عائلاتهم:

إنّ حضرة وليّ أمر الله يرغب بالتأكيد أن يراك والأحبّاء الآخرين تكرّسون كلّ أوقاتكم وطاقاتكم لأمر الله، لأنّنا بحاجةٍ ماسّة لعاملين مؤهّلين، إلاّ أنّ العائلة هي مؤسّسة جاء حضرة بهاءالله لتقويتها وليس لإضعافها، وقد حدثت أمور مؤسفة كثيرة في عائلات بهائيّة لمجرد إهمال هذه النقطة.  قمْ على خدمة أمر الله ولكن تذكّر أيضًا واجباتك نحو عائلتك، والأمر يعود إليك في إيجاد التّوازن، والتأكّد من أنّ أيًّا منهما لا يدعوك إلى إهمال الآخر. *

(من رسالة مؤرّخة 18 نيسان/ إبريل 1994 كُتبت بالنيابة عن بيت العدل الأعظم لأحد الأحبّاء)

[35]

من الجدير بالملاحظة أنّ العلاقة الزوجيّة هي إحدى العلاقات التي تتطلّب في الكثير من الحالات تكيّفًا عميقًا في سلوك وتصرّف كلٍّ من الطرفيْن.  ولأنّ حميميّة العلاقة تكشف عن الجانب الأفضل والأسوأ في شخصيّتيْهما، فإنّ الطرفين ينهمكان في عمليّة توازن إن صحّ التعبير.  بعض الأزواج قادرون منذ البداية على تحقيق درجة عالية من التآلف والانسجام والمحافظة عليها طيلة فترة زواجهم.  والبعض الآخر يجدون أنّهم يحتاجون إلى بعض الوقت في جهادهم لتحقيق ذلك الانسجام.  وبينما يصدق القول أنّ كلاً من طرفيْ الزواج يجب أن يدعم الحقوق الشخصيّة للطرف الآخر، إلاّ أنّه يجب ألاّ يغيب عن الأذهان أنّ علاقة كلٍّ منهما بالآخر لا تعتمد فقط على فذلكة قانونيّة، ذلك لأنّ الحبّ هو أساسها المتين.  وعليه فإنّ مجرّد ردَّ فِعْل مشاكس لأعمال خاطئةٍ لأحد الشريكيْن أمر غير لائق على الإطلاق.

(من رسالة مؤرّخة 2 كانون الثاني/ يناير كتبت نيابة عن بيت العدل الأعظم لأحد الأحبّاء)

[36]

إنّ الموضوع الذي أثرته ذو أهميّة حيويّة بالنسبة للأزواج البهائيّين الذين يسعون جاهدين لسدّ الاحتياجات المختلفة وانتهاز الفرص المتنوّعة التي يواجهونها في المجتمع المعاصر[2].  وكما هو الحال مع الأوجه العديدة الأخرى للحياة اليوميّة فإنّ حلّ هذه المسألة يجب أن ننشده من خلال إدراك تعاليم الأمر المبارك وتطبيقها.  وعلى المؤمنين أن يفهموا بوضوح وألاّ ينزعجوا من حقيقة أنّ الحلول الناتجة قد لا تُعتبر كافية ومناسبة لأولئك الذين لم ينعموا ببركة قبول الموعود ووقعوا في شرك أنماط من الفكر تخالف التعاليم البهائيّة، رغم القبول واسع النّطاق لمثل هذه الأنماط من قِبَل أغلبيّة الجنس البشريّ.

فالأمر الجوهري في هذه المسألة عند أخذها بعين الاعتبار يجب أن يكون الغاية والهدف من الحياة بالنسبة لجميع الأتباع المؤمنين بحضرة بهاءالله: ألا وهي عرفان الله وعبادته.  ويتضمّن ذلك تقديم الخدمة لإخواننا في البشريّة ولتقدم أمر الله.  وفي متابعتهم لتحقيق هذه الغاية عليهم السعي جاهدين لتنمية مهاراتهم وقدراتهم قدر الإمكان عن طريق استكشاف السُبل المتاحة أمامهم.

ولا بدّ وأنّ يجد المؤمنون أنفسهم في كثير من الأحوال محرومين من فرصة تنمية مهاراتهم تنمية كاملة بسبب الحدود والقيود الدنيويّة.  وقد يعود ذلك إلى الافتقار إلى الموارد الماديّة أو المرافق والوسائل التعليميّة، أو الحاجة إلى تلبية التزامات وأداء واجبات أخرى، مثل المسؤوليات المرتبطة بالزواج والأبوّة والتي لنا حريّة اختيارها.  وفي بعض الظروف قد تكون نتيجة قرار واعٍ لبذل التضحيات من أجل أمر الله، كما هو الحال عندما يتقدّم مهاجر للخدمة في موقع يفتقر إلى المرافق والوسائل اللازمة لتنمية مهاراته ومواهبه.  إلاّ أنّ مثل هذا الحرمان والتقييد لا يحملان في مضمونهما أنّ البهائيّين المعنيّين غير قادرين على تحقيق غايتهم الأساسيّة التي عيّنها الله لهم، فهما بكلّ بساطة عناصر التحدّي العالميّ لتقييم الاحتياجات الكثيرة لوقت الإنسان وجهده في هذه الحياة، وإيجاد التوازن بينها.

ليس هناك ردٌّ قابل للتطبيق عالميًّا على السّؤال الذي طرحته بخصوص القرارات التي يجب أن يتّخذها شريكا الزواج عندما يكون الزوجان كلاهما يسعيان وراء الفرص لحياتهما المهنيّة والتي يبدو أنّها ستقودهما إلى سبيليْن متباعديْن، ذلك لأنّ الظروف شاسعة في اختلافها.  فعلى كلّ زوجيْن الاعتماد على عمليّة المشورة البهائيّة ليقرّرا أفضل مسارٍ للعمل.  ولدى قيامهما بذلك عليهما أن يأخذا بعين الاعتبار العوامل التالية من بين أخرى غيرها:

  • الحسّ بالمساواة الذي يجب أن يشكّل جوهر المشورة بين الزوجين.

لقد ذكر بيت العدل الأعظم سابقاً ردًّا على أسئلة وردته أنّ المشورة الحبيّة يجب أن تكون أساس العلاقة الزوجيّة، وإذا تعذّر الوصول إلى اتّفاق، فهناك أوقات على الزوجة أو الزوج الامتثال فيها لرغبة الآخر، أمّا بالنسبة للظروف التي يجب أن يحدث فيها هذا الامتثال بالتّحديد فهو أمر على كلّ زوجين أن يقرّرانه.

  • التأكيد الشديد الذي فرضته الآثار البهائيّة على الحفاظ على رباط الزّوجيّة وتقوية دعائم الوحدة والاتّحاد بين الزوجيْن.
  • مفهوم العائلة البهائيّة، حيث الأمّ هي المربّي الأوّل للأطفال، وتترتّب على الزوج المسؤوليّة الأساسيّة في إعالة العائلة ماليًّا.

كما ذكر بيت العدل الأعظم في مكان آخر، فإنّ ذلك لا يقتضي أبدًا أن تكون هذه الوظائف أو الأعمال ثابتة وغير مرنة ولا يجوز تغييرها وتعديلها لتناسب أوضاعًا عائليّة خاصّة.

  • احتمال بروز ظروف خاصّة مختلفة مثل توقّع وظيفة خلال فترة من انتشار البطالة، فرص أو قدرات غير اعتياديّة قد يملكها أحد الزوجيْن، أو احتياجات ماسّة للأمر المبارك قد تستدعي استجابة تتّسم بالتضحية.

ولا شكّ أنّ نجاح مثل هذه المشورة يتأثّر بجوّ الدعاء والابتهال الذي يخيّم عليها، والاحترام المتبادَل الذي يكنّه كلٌّ من الشريكيْن للآخر، ورغبتهما المخلصة لإيجاد حلٍّ يحافظ على الوحدة والتآلف بينهما ومع باقي أفراد العائلة، ورغبتهما في التنازل والتكيّف ضمن مبدأ المساواة.

ومع تطوّر ونموّ المجتمع في العقود والقرون المقبلة بفضل تأثير ظهور حضرة بهاءالله القادر على إجراء التغيير والتحويل، فإنّ المجتمع سيشهد بالتأكيد تغييرات أساسيّة تسهّل عليه تطبيق التّعاليم البهائيّة، وتخفّف الصعوبات التي يواجهها الأزواج في سعيهم لتحقيق توقهم الشديد لخدمة أمر حضرة بهاءالله من خلال نشاطاتهم المهنيّة.

(من رسالة مؤرّخة 26 حزيران/ يونيو كُتبت بالنيابة عن بيت العدل الأعظم لأحد الأحبّاء)

[37]

جاء في فقرة من لوح مبارك لحضرة عبدالبهاء …” فليكن زوجك غاليًا وعزيزًا لديك، وعامليه دائمًا باللطف والمودّة مهما كان سيّئ الطباع…”[3]

وفي ردٍّ على سؤال حول هذا البيان ورد التوضيح التالي في رسالة لدائرة السكرتارية مؤرّخة 12 نيسان/إپريل 1990:

من الواضح أنّه لا يجوز لأيّ زوج أن يعرّض زوجته لأيّ نوع من الإساءة عاطفيّة كانت أم فكريّة أم جسديّة.  فمثل هذا التصرّف الذي يستحقّ التوبيخ والشجب مناقض تمامًا للعلاقة القائمة على الاحترام المتبادل والمساواة التي أمرت بها التعاليم البهائيّة، علاقة تحكمها مبادىء المشورة ومجرّدة من استعمال أيّ شكل من أشكال الإساءة، بما فيها العنف، ليفرض فرد على آخر إطاعة مشيئته.  وعندما تجد الزوجة البهائيّة نفسها في وضع كهذا وتشعر بأنّ من المتعذّر تصويبه بالمشورة مع زوجها، فبإمكانها التوجّه إلى المحفل الرّوحانيّ المحليّ طلبًا للنصيحة والإرشاد.  وقد تجده مجديًا للغاية أن تنشد مساعدة مستشارين محترفين مَهَرَة.  وإذا كان الزوج بهائيًّا أيضًا فبإمكان المحفل الرّوحانيّ المحليّ أن يلفت نظره إلى ضرورة الكفّ عن تصرّفاته المسيئة، كما بمقدوره، إذا لزم الأمر، أن يتّخذ إجراءات أشدّ صرامة لإجباره على الامتثال لتنبيهات التعاليم المباركة ونصائحها.

(من مذكرة مؤرّخة 20 آذار/ مارس 2002 كتبها بيت العدل الأعظم)

  [38]   

  1. العلاقات والمسؤوليّات المتبادلة بين الوالدين والأبناء

 

 

مقتطفات من آثار حضرة بهاءالله

على الآباء أن يبذلوا قصارى جهدهم في تمسّك أبنائهم بالدّين وإتقان ذلك، فكلّ ولد انحاز عن الدّين الإلهي لا شكّ أنّه سوف لا يعمل برضى أبويه ورضى الله جلّ جلاله، والأعمال الحسنة كلّها تظهر بنور الإيمان وفي حال فقدان هذه العطيّة الكبرى (أي الإيمان) لا يجتنب الإنسان ارتكاب أيّ عمل منكر ولا يُقبِل إلى أيّ معروف.

(كتيّب “التّربية والتّعليم”، رقم 12، ص 9)

[39]

وفي لوح من الألواح نُزّل قوله تعالى: “يا محمّد وجْه القِدَم متوجّه إليك ويذكرك ويوصي حزب الله بتربية الأولاد.  إذا غفل الوالد عن هذا الأمر الأعظم الّذي نُزّل من قلم مالك القِدَم في الكتاب الأقدس سقط حقّ أبوّته،  وكان لدى الله من المقصّرين محسوبا.  طوبى لعبد يثبّت ما أوصى الله به في قلبه ويتمسّك به.  إنّه يأمر العباد بما يؤيّدهم وينفعهم ويقرّبهم إليه،  وهو الآمر القديم”.

(الكتاب الأقدس، سؤال وجواب، رقم 105)

[40]

          الأمانة والدّيانة والصّدق والصّفاء هي أثمار سدرة الوجود، وأعظم من ذلك كلّه، بعد توحيد الباري عزّ وجلّ، رعاية حقّ الوالدين.  هذه كلمة ذُكرت في كلّ كتب الله وسطرها القلم الأعلى، أن انظر ما أنزله الرّحمن في الفرقان قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا“، ولاحظ أن الإحسان بالوالدين مقرون بالتّوحيد.  طوبى لكلّ عارف حكيم يشهد ويرى، ويقرأ ويعرف، ويعمل بما أنزله الله في كتب القبل، وفي هذا اللّوح البديع“.

(الكتاب الأقدس، سؤال وجواب، رقم 106)

[41]

إِنَّ الْقَلَمَ الأَعْلَى يُوصِي الْكُلَّ بِتَعْلِيمِ الأَطْفَالِ وَتَرْبِيَتِهِم وَلَقَدْ نُزِّلَتْ هَذِهِ الآيَاتُ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ سَمَاءِ الْمَشِيئَةِ الإِلَهِيَّةِ فِي الْكِتَابِ الأَقْدَسِ بُعَيْدَ الْوُرُودِ فِي السِّجْنِ: كُتِبَ عَلَى كُلِّ أَبٍ تَرْبَيِةُ ابْنِهِ وِبِنْتِهِ بِالْعِلْمِ وَالْخَطِّ وَدُونِهِمَا عَمَّا حُدِّدَ فِي اللَّوْحِ وَالَّذِي تَرَكَ مَا أُمِرَ بِهِ فَلِلأُمَنَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُ مَا يَكُونُ لازِمًا لِتَرْبِيَتِهِمَا إِنْ كَانَ غَنِيًّا وَإِلاَّ يَرْجِعُ إِلَى بَيْتِ الْعَدْلِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ مَأْوَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَإِنَّ الَّذِي رَبَّى ابْنَهُ أَوْ ابنًا مِنَ الأَبْنَاءِ كَأَنَّهُ رَبَّى أَحَدَ أَبْنَائِي عَلَيْهِ بَهَائِي وَعِنَايَتِي وَرَحْمَتِي الَّتِي سَبَقَتِ الْعَالَمِينَ.

(مجموعة من ألواح حضرة بهاءالله النّازلة بعد الكتاب الأقدس، لوح الإشراقات، الإشراق السّابع)

[42]

إنّ ما يلزم الأطفال في الدّرجة الأولى والمقام الأوّل، هو تلقينهم كلمة التّوحيد والشّرائع الإلهيّة، فمن دون ذلك لا تستقرّ خشية الله وفي فقدانها تظهر أعمال مكروهة غير معروفة وأقوال رديئة لا عدّ لها

يجب على الآباء أن يبذلوا قصارى جهدهم في تديّن أولادهم فإن لم يفز الأولاد بهذا الطّراز الأوّل، فسيؤدّي ذلك إلى الغفلة عن طاعة الأبوين، الّتي هي في مقام طاعة الله فمثل هذا الولد لا يعود يبالي أبدًا ويفعل بأهوائه ما يشاء.

(كتيّب “التّربية والتّعليم”، رقم 14، ص 9)

[43]

قل يا قوم عزّزوا أبويكم ووقّروهما وبذلك ينزل عليكم الخير من سحاب رحمة ربّكم العليّ العظيم.

(كتاب “أخلاق بهائي”، ص 225)

[44]

من جملة الأمور المخصوصة بهذا الظّهور الأعظم، أنّ المنتسبين إلى كلّ نفس فازت بالإقبال إلى هذا الظّهور وشربت باسم القيّوم من الرّحيق المختوم، يعني كأس المحبّة الإلهيّة، إذا كانوا غير مؤمنين بحسب الظّاهر فسيفوزون بالعفو الإلهي وسيرزقون من بحر الرّحمة بعد صعودهم من هذا العالم، وهذا الفضل سيتحقّق للنّفوس التي لم تُلحق أذى بالحقّ وأوليائه، كذلك حكم الله ربّ العرش والثّرى ومالك الآخرة والأولى.

(من لوح بالفارسيّة والعربيّة منشور في مائدة آسماني، ج4، ص 173)

[45]

مقتطفات من آثار حضرة عبدالبهاء

يا ولديّ العزيزيْن، لقد شعرتُ بامتنان وسرور بالغين لدى سماعي خبر اقترانكما. الحمدلله أنّ هذيْن الطّائريْن الوفيّين قد وجدا لهما مأوىً في عشّ واحد، وأرجو الله أن يشكّلا عائلة محترمة، لأنّ أهميّة الزّواج تكمن في تشكيل عائلة تفيض بركة، حتّى يقوما بغاية السّرور على إنارة عالم الإنسان كالشّموع، لأن إنارة العالم منوطة بوجود الإنسان. فلولا وجود الإنسان في هذا العالم لكان بمثابة الشّجر بلا ثمر. أملي أن تغدو هاتان النّفسان كشجرة واحدة وتكتسبا الطّراوة واللطافة وتحملا البراعم والثّمار من رشحات سحاب العناية حتّى تبقى هذه السّلالة إلى الأبد.

(منتخباتي أز مكاتيب حضرة عبدالبهاء، رقم 88)

[46]

“لولا وجود المربّي لظلّت النّفوس متوحّشة ولولا وجود المعلّم بدا الأطفال وكأنّهم حشرات.

وبناءً على ذلك كلّه فإنّ أمر التّعليم والتّربية في هذا الدّور البديع أمر إجباري وليس اختياريًّا وهذا يعني أنّه فُرِض على الوالدين فرضًا بأن يربّيا أبناءهما وبناتهما ويعلّماهم بمنتهى الهمّة ويرضعاهم من ثدي العرفان ويحتضناهم في حضن العلوم والمعارف ففي حال قصورهما بهذا الصّدد فهما مؤاخذان ومدحوران ومذموان لدى الله الغيّور”.

(كتيّب “التّربية والتّعليم”، رقم 15، ص 28 و 29)

[47]

يجب أن تولوا مسألة الأخلاق أهميّة كبيرة.  وعلى جميع الآباء والأمّهات أن ينصحوا أطفالهم على الدّوام ويرشدوهم إلى ما يؤدّي إلى العزّة الأبديّة.

(منتخباتي أز مكاتيب حضرة عبدالبهاء، رقم 108)

 [48]

على الأمّهات الاهتمام بتربية الأطفال والنّظر في شأنها بعين الاعتبار، لأنّ الغصن طالما هو طريّ يمكن تربيته كيفما تشاء، وعليه يجب على الأمّهات تربية صغارهِنَّ كما يربّي البستانيّ أغراسه ويعتني بها، والسّعي ليلاً نهارًا في العمل على تأسيس الإيمان وخشية الله وحُبّ الآخرين وفضائل الأخلاق والصّفات الحسنة في أطفالهِنَّ، لتثني الأمّ وتُطري طفلها كلّما قام بعمل ممدوح ولتملأ قلبه سرورًا، وإذا صدرت من الطّفل أدنى حركة شاذّة لتنصحه ولا تعاتبه ولتعامله بوسائل معقولة ولو بقليل من الزّجر في الكلام إذا لَزِم الأمر، ولكنّ الضّرب والشّتم لا يجوزان أبدًا فإنّهما يفسدان أخلاق الطفل”.

(كتيّب “التّربية والتّعليم”، رقم 63، ص 51)

[49]

 

ودعوا الأطفال يترعرعون من عهد الرّضاعة بثدي التّربية في مهد الفضائل وينشأون في حضن المواهب ويستفيدون من كلّ علم مفيد ويأخذون نصيبهم من كلّ صنعة بديعة، وعوّدوهم أن يكونوا ذوي همم بالغة متجلّدين في المشقّات مُقدمين في الأمور الهامّة، وحثّوهم على تحصيل الأمور المفيدة وتعهّدها.

(كتيّب “التّربية والتّعليم”، رقم 28، ص 33)

[50]

لو أنّك قمت بمراعاة أبيك وأمّك حتّى يكونا راضيين عنك، فهذا سبب رضائي أيضًا. فاحترام الوالدين واجب وكسب رضائهما لازم، ولكن شرط أن لا يمنعاك من التّقرّب إلى عتبة الكبرياء ولا يثنياك عن سلوك سبيل الملكوت، بل عليهما أن يشجّعاك ويحثّاك على ذلك.

(من لوح فارسيّ الأصل)

[51]

وكذلك إنّ الأب والأمّ يتحمّلان من أجل أولادهما نهاية التّعب والمشقّة وحينما يصل الأولاد في الغالب إلى سنّ الرّشد ينتقل آباؤهم وأمّهاتهم إلى العالم الآخر، ويندر أن يرى الآباء والأمّهات مكافأة من أولادهم مقابل مشقّاتهم وأتعابهم في الدّنيا، فيجب إذاً على الأولاد المبادرة بالخيرات والمبرات مقابل مشقّات الأبوين وأتعابهما، والتماس العفو والغفران لهما، مثلاً يجب عليك أن تنفق على الفقراء في مقابل محبّة والدك وشفقته، وتطلب له العفو والغفران والرّحمة الكبرى بكمال التّضرّع والابتهال.

(من مفاوضات حضرة عبدالبهاء ، ص 171)

[52]

بخصوص الاستفسار حول مشورة الأب مع الإبن أو الإبن مع الأب في التّجارة والاقتراف، فإنّ المشورة من أسّ أساس شريعة الله، ومن المؤكّد أنّها مقبولة سواء كانت بين الأب وابنه أو مع الآخرين، فلا شيء أفضل من ذلك. على الإنسان أن يتشاور في جميع الأمور، فبالمشورة يصل إلى عمق أيّة مسألة ويتمكّن من إيجاد الحلّ الصّحيح.

(مكاتيب حضرة عبدالبهاء، ج4، ص 32)

[53]

 

يا عزيز عبد البهاء كُن ابن والدك وثمرة لتلك الشّجرة، كُن ابنًا وُلِد من عنصر روحه وجنانه وليس كالذي جُبِلَ من ماء وطين، إنّ الولد الحقيقي هو من قَدِم إلى الوجود من الجبلّة الرّوحانيّة لأبيه، أسأل الله أن تكون في جميع الأحيان ثابتًا راسخًا وموفّقًا بالتّأييدات الإلهيّة.

(كتيّب “التّربية والتّعليم”، رقم 66، ص 52)

[54]

يجب أن يسعى الأب دومًا إلى تعليم ابنه وإطلاعه على التّعاليم السّماويّة.  يجب أن  يرشده وينصحه في جميع الأوقات، ويعلّمه حسن المسلك والخُلُق، ويمكّنه من أن يتلّقى التّدريب في المدرسة ويتعلّم الآداب والعلوم المفيدة واللاّزمة.  باختصار، دعه يغرس في ذهنه فضائل وكمالات العالم الإنساني.  وفوق هذا كلّه، عليه أن يذكّره دائمًا بذكر الله حتّى تنبض عروقه وشرايينه بحبّ الله.

الأبن من جهة أخرى، عليه أن يُظهر كامل الطّاعة تجاه والده، وأن يكون سلوكه معه كأنّه خادم متواضع ذليل.  يجب أن يسعى ليل نهار بشكل دؤوب ليضمن لوالده العزيز الرّاحة والرّخاء ويسعى إلى رضاءه.  يجب أن يتخلّى عن راحته ومتعته ويجهد باستمرار ليدخل السّرور إلى قلب أبيه وأمّه، عسى أن يحظى بذلك على رضاء العلي القدير، ويمنّ عليه بمساعدة ملأ الغيب.

(كتيّب “التّربية والتّعليم”، رقم 66، ص)

[55]

ومن جملة المستلزمات للمحافظة على دين الله هي تربية الأطفال التي تُعدّ من أهمّ الأُسس للتّعاليم الإلهيّة، لهذا يجب على الأمّهات أن يربّين الأطفال الرُّضّع في مهد الأخلاق، لأنّ الأمّ هي المربّية الأولى للطّفل، وذلك كي يكون الطّفل متّصفًا بجميع الخصائل الحميدة ومتخلّقًا بالفضائل الكريمة عندما يبلُغ.

وكذلك بناءً على الأوامر الإلهيّة يجب أن يتعلّم الطّفل القراءة والكتابة ويكتسب الفنون الضّروريّة المفيدة، كما عليه أن يتعلّم مهنة من المهن، فيجب بذل غاية الاهتمام في هذه الأمور ولا يجوز التّقصير والإهمال في هذا المجال.

لاحظوا كم من السّجون وكم من الأمكنة الخاصّة للتّعذيب والعقاب أعدّت للبشر لمنع النّاس عن ارتكاب الجرائم الفظيعة بتلكم الوسائل التّأديبيّة، مع أنّ هذا الزّجر وهذا التّعذيب هما السّبب في تكاثر سوء الأخلاق فلا يحصل المطلوب من ذلك كما ينبغي ويليق.

لهذا يجب تربية النّاس من صغر سنّهم بحيث لا يقترفون الجرائم وينصبّ اهتمامهم كلّيًّا في اكتساب الفضائل ويعتبرون الجريمة والتّقصير نفسهما أعظم عقوبة ويحسبون نفس الخطأ والعصيان أخطر من السّجن والحبس، ذلك لأنّه يمكن تربية الإنسان ليصل إلى درجة يصبح فيها وقوع الجريمة والتّقصير نادرًا ولو أنّهما لا يزولان ولا يُلغيان كلّيًّا.

فمجمل القول إنّ الهدف من ذلك كلّه هو أنّ التّربية من أهمّ أوامر الله وتأثيرها كتأثير الشّمس في الشّجر والثّمر فمن الواجب المؤكّد المواظبة على تربية الأطفال والمحافظة عليهم، هذا هو المعنى الحقيقيّ للأبوّة والأمومة وشفقتهما. وبغير ذلك سيصبحون أعشابًا برّيّة ضارّة وأشجار زقّوم لا يعلمون الخير من الشّرّ ولا يميّزون الفضائل من الرّذائل، مفعمون بالغرور ومبغوضون من الرّبّ الغفور. لذلك يجب تربية جميع الأطفال المترعرعين في حديقة محبّة الله والمواظبة عليهم مواظبة تامّة…

(كتيّب “التّربية والتّعليم”، رقم 13، ص 27)

[56]

مقتطفات من رسائل كُتبت بالنّيابة عن حضرة شوقي أفندي

 

          من المؤكّد إنّه أمر مؤسف عندما يختلف الآباء والأبناء في بعض القضايا المهمّة في الحياة كالزّواج.  بيد أنّ أفضل طريقة لمعالجة الموضوع هو أن لا يستهزئ الأطراف بآراء بعضهم البعض أو أن يناقشوا المشكلة في جوٍّ مشحون بالتّوتّر، بل عليهم محاولة حلّها بشكل حبّيّ.

وقد تفضّل حضرة بهاءالله بكلّ وضوح أنّه يتوجّب على الطّرفين الحصول على موافقة الوالدين قبل الزّواج، ولا شكّ أنّ في ذلك حِكَمٌ بالغة.  فهذا الحُكْم على الأقلّ يحدّ من اندفاع الشّباب نحو الزّواج دون إعطاء الموضوع حقّه من التّفكير بكلّ عناية.  وطبقًا لهذا الفَرْض، أبرق حضرة شوقي أفندي بأنّ عليكما الحصول على موافقة والديكما.

(من رسالة لاثنين من الأحبّاء مؤرّخة 29أيّار/ مايو 1929)

[57] 

كما سَرّ حضرة ولي أمرالله كثيرًا أنّ يعلم أنّ الله قد أنعم عليك بطفل، ويشعر بكلّ تأكيد أن وجوده سيزيد من خيركما وسعادتكما في الحياة، وسيثري حياتكما البهائيّة على نحو أكبر.  سيدعو أن ينمو طفلكما العزيز جسميًا وروحانيًا في ظلّ رعايتكما الحبيّة، ويحظى بتربية تمكّنه فيما بعد من اعتناق أمر الله وخدمته بكلّ صدق وإخلاص.  إنّه حقًّا أقدس واجب يترتّب عليكما كوالدين بهائيّين. وبأسلوب ودرجة ما تحقّقانه في هذا المضمار يكون بالتّأكيد نصيبكما من النجاح والسعادة في حياتكما العائليّة.

(من رسالة لأحد الأحبّاء مؤرّخة 21تموز/يوليو 1938)

[58]

 

فيما يتعلّق بمدّخراتك: ينصحك حضرة وليّ أمر الله أن تتصرّف باعتدال.  فمع أنّه بلا شكّ يوافقك الرّغبة في التّبرّع بسخاء لأمر الله، إلاّ أنّه في نفس الوقت يحثّك على أن تأخذ بعين الاعتبار واجباتك ومسؤوليّاتك تجاه والديك المحتاجين إلى مساعدتك الماديّة على حدّ قولك.

(من رسالة لأحد الأحبّاء مؤرّخة 10 تشرين الثّاني/نوفمبر 1939)

[59]

إن مهمّة تربية طفل بهائي كما تؤكّده الكتابات البهائيّة مرارًا وتكرارًا إنّما هي مسؤوليّة الأمّ الرّئيسة – والتي منحت هذا الامتياز الفريد – وهي في الواقع خلق أوضاع في بيئتها تؤدّي إلى تقدّم الطّفل وتحسين أحواله من النّاحية المادّيّة والرّوحيّة، فالتّوجيه الّذي يتلقّاه الطّفل في بدء حياته من أمّه يشكّل أقوى أساس لتطوّره في المستقبل وعلى ذلك ينبغي أن يكون الشّغل الشّاغل الأسمى لزوجتك… السّعي من الآن في أن تنقل إلى وليدها الجديد توجيهًا روحانيًّا يمكّنه فيما بعد أن يأخذ على عاتقه مسؤوليّة إيفاء واجبات الحياة البهائيّة على أكمل وجه.

(كتيّب “التّربية والتّعليم”، رقم 26، ص 69)

[60]

بالنّسبة لسؤال بشأن توجيه الأطفال[4]، فممّا أكّده حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء بضرورة توجيه الوالدين لأولادهما في السّنين الأولى من حياتهم، يبدو أن تَلَقّي الأولاد توجيههم الأوّل في البيت تحت عناية أمّهم أفضل من أن يرسلوا إلى دار حضانة، ولكن إذا اضطرّت بعض الحالات أيّة أمّ بهائيّة أن تضع طفلها في دار حضانة فلا مانع هناك.

(كتيّب “التّربية والتّعليم”، رقم 28، ص 70)

[61]

إنّ مسألة توجيه الأطفال وتربيتهم في حالة ما إذا لم يكن أحد الوالدين بهائيًّا، إنّما هي مسألة تخصّ فقط الوالدين نفسيهما اللّذين ينبغي لهما أن يقرّرا الطّريقة التي يجدانها أحسن من أيّة طريقة أخرى لتؤدّي إلى صون وحدة عائلتيهما وخير أولادهما في المستقبل، وعلى كلّ حال فعندما يبلغ الطفل رشده ينبغي أن يُعطى حريّة كاملة ليختار دينه بغضّ النّظر عن آمال ورغبات والديه.

(كتيّب “التّربية والتّعليم”، رقم 29، ص 71)

[62]

مهما كانت الرّوابط العائليّة عميقة، علينا أن نتذكر أنّ الرّوابط الرّوحيّة تظل أعمق وأبقى   وتستمر حتّى بعد الممات، بينما الرّوابط الجسمانيّة إن لم تكن مدعومة بالرّوابط الرّوحية فإنّها تنتهي بنهاية حياتنا. عليك بذل كل ما بوسعك عبر الدّعاء والقدوة الحسنة أن تجذب أنظار عائلتك إلى الدّين البهائي ولا تحزن كثيرا من تصرفاتهم. إلجأ إلى إخوانك وأخواتك الأحباء الذين يعيشون معك في أنوار الملكوت.

لم يتعلّم الأحبّاء حقًّا كيف يمكنهم الاعتماد كلّيًّا على محبّة بعضهم البعض في وقت الشّدّة طلبًا للمواساة وتقوية العزيمة.  إنّ الأمر الإلهي يكتنز قوىً هائلة، والسّبب في أنّ الأحبّاء لا يستفيدون من هذه القوى على نحو أكبر، يكمن في أنّهم لم يتعلّموا بعد الاعتماد كلّيًّا على هذه القوى العظيمة من المحبّة والتّأييد والانسجام الذي يولّده أمر الله.

(من رسالة مؤرّخة 8 أيّار/ مايو 1942 لأحد الأحبّاء)

[63]

 

فيما يتعلّق ببيان حضرة ولي أمرالله بأنّ الهجرة مشروطة بموافقة الوالدين وأنّ اقتناعهما أمر ضروريّ وواجب، لقد سألت عمّا إذا كان هذا الحُكم ينطبق على الأبناء في سن الرّشد أو دونه على السّواء.  يجيب حضرة وليّ أمر الله بأنّ هذا الحُكم ينطبق فقط على أولئك الذين لم يبلغوا سنّ الرّشد بعد.

(من رسالة مترجمة عن الفارسيّة مؤرّخة 18 كانون الثّاني/ يناير 1947 لأحد المحافل الرّوحانيّة المركزيّة)

[64]

 

اشترط حضرة بهاءالله صراحةً إذن الأحياء من أبويْ الطّرفين لصحّة انعقاد الزّواج البهائي، ويسري هذا الشّرط سواء كانوا بهائيّين أو غير بهائيّين، وسواء كانوا مطلّقين منذ زمن، أو غير مطلّقين.  لقد سنّ حضرة بهاءالله هذا الحُكْم المتين ليوطّد بنية المجتمع، ويقوّي أواصر العائلة، ويبعث في نفوس الأبناء الاحترام والإعتراف بالجميل لأولئك الذين جاءوا بهم إلى الحياة، وأطلقوا أرواحهم في رحلتها الأبديّة نحو بارئها. (الأقدس، الشّرح رقم 92) علينا كبهائيّين أن ندرك أنّ ما يجري في مجتمع اليوم هو العكس تمامًا، فالشّباب يبدون اهتمامًا متناقصًا برغبات أبويْهم، وغدا الطّلاق حقًّا طبيعيًّا يحصلون عليه متذرّعين بذرائع واهيّة وغير مشروعة.  والأزواج الذين انفصلوا عن بعضهم البعض، خاصّة ممن حصلوا على وصاية كاملة على الأبناء، أصبح همّهم الوحيد الحطّ من أهميّة الشّريك الآخر المسؤول أيضًا عن إنجاب هؤلاء الأبناء.  على البهائيّين، من خلال تمسّكهم التّام بالأحكام والتّعاليم البهائيّة، أن يقاوموا هذه القوى التي تنخر نسيج حياة الأسرة وتشوّه جمال العلاقات العائليّة، وتمزّق البنية الأخلاقيّة للمجتمع.

(من رسالة مؤرّخة 25 تشرين الأول/ أكتوبر 1947 لأحد المحافل الرّوحانيّة المركزيّة)

[65]

 

يبقى الأبناء تحت رعاية وتوجيهات والديهم حتّى سن الخامسة عشرة.  ويمكنهم في هذا السّن إعلان إيمانهم بالأمر المبارك وتسجيلهم كشباب بهائيّين، سواء كان الوالدان بهائيّين أم لا. ويمكن لأبناء البهائيّين دون سنّ الخامسة عشرة أن يحضروا الجلسات الأمريّة ومعاشرة الأحبّاء كبهائيّين إذا ما رغبوا في ذلك، وبالمثل إذا سمح الوالدان غير البهائيّين لابنهما دون الخامسة عشرة بحضور الاجتماعات البهائيّة، وأن يعتنق البهائيّة إذا رغب، فلا مانع من ذلك.

(من رسالة مؤرّخة 23 تموز/ يوليو 1954 لأحد المحافل الرّوحانيّة المركزيّة)

[66]

إذا كانت حالة والديْك الصحّيّة تستدعي أن تكون بجانبهما، فعليك ألاّ تتركهما.  أمّا إذا تعهّد أحد الأقارب برعايتهما، عندها يمكنك أن تدعم العمل في … وتساعد في تأسيس أمرالله هناك على أساس محكم ومتين.

(من رسالة مؤرّخة 28 تشرين الأول/ أكتوبر 1955 لأحد الأحبّاء)

[67]

مقتطفات من رسائل كتبها بيت العدل الأعظم أو كُتبت بالنّيابة عنه

 

          استلم بيت العدل الأعظم رسالتك المؤرّخة 23/6/1977 التي عبّرتِ فيها عن رغبتكِ الشّديدة أنتِ وزوجك بأن تريا أبناءكما يكبرون فعّالين داعمين لأمرالله.  وتسألين، نظرًا للمسؤوليّات المترتّبة على الوالدين البهائيّين في ميدان التّبليغ، هل سيكافأ الأبناء بطريقة ما لقاء ما يتحمّلونه في الظّاهر من معاناة نتيجة التزام والديهم بخدمة أمرالله؟  لقد طلب منّا بيت العدل الأعظم إعلامك بالنّقاط التّالية.

عند التّفكير بهذه المسألة، من الأهميّة بمكان أن نضع حقيقة وحدة العائلة بالاعتبار، ودور الأبناء في نشاطاتها…

كما علينا أن ندرك أن الطفل منذ نعومة أطفاره هو كائن مدرك وواع، وعضو في عائلته وعليه واجبات تجاهها، وقادر على القيام بتضحياته الفرديّة لأمرالله بطرق شتّى. ويُنصح بأنّ على الأبناء أن يشعروا بأنّهم منحوا ذلك الامتياز والفرصة للمشاركة في قرارات والديهم بما يمكن أن يقوما به من خدمات لأمره المبارك، ممّا يجعلهم على وعي تام بقبول تلك الخدمات وما يترتّب عليها في مجريات حياتهم الشّخصيّة.  حقًّا يمكن جعل الأبناء يدركون أنّ رغبة والديهم الشّديدة هي القيام بخدمات مقرونة بدعم أبنائهم القلبيّ المخلص.

(من رسالة مؤرّخة 23 آب/ أغسطس 1977 كُتبت بالنّيابة عن بيت العدل الأعظم لأحد الأحبّاء)

[68]                      

         

استلم بيت العدل الأعظم رسالتكِ التي أُرسلت بتاريخ 19/2/1982 التي عبّرتِ فيها عن رغبتك الشّديدة في القيام بمسؤوليّاتك كأم بهداية أبنائك على نحو صحيح وتمكينهم لأن يصبحوا مناصرين راسخين لأمر الجمال المبارك، وطلب منّا أن نعلمك بالنّقاط التّالية…

يشاطرك بيت العدل الأعظم قلقك من أنّ أبناء بهائيّين مخلصين قد تركوا الأمر المبارك، وممّا يؤسف له أنّ هناك حالات خدم فيها الوالدان أمرالله بشكل ألحق الأذى بالأبناء والعائلة…

هناك عدّة إشارات في الآثار المباركة تتعلّق بالتّوجيهات التي يتوجّب على الوالدين أن يعطوها لأبنائهم.  ربّما درستِ مجموعة المقتطفات التي تحمل عنوان “التربية والتّعليم”.

تتضمن هذه المقتطفات العديد من المراجع حول أهميّة وحدة العائلة.  فإذا ما ترعرع الأطفال في بيوت يعمّها السّرور والاتّحاد، وتكون فيها الأفكار والأعمال موجّهة نحو الأمور الرّوحانيّة وتقدّم أمرالله، فلن يكون لدينا أدنى شّك بأنّ الأطفال سيكتسبون الصّفات الملكوتيّة ويصبحون مدافعين عن أمرالله.

من المؤمّل أنّ ما ذُكر آنفًا سيساعدك ويطمئنك لتتمكّني من القيام بواجبات الأمومة بكلّ سعادة وثقة.  ففي الأبوّة، كما هو الحال في العديد من ميادين الخدمة، لا نستطيع إلاّ أن نبذل ما في وسعنا، مدركين أنّنا لن نرتقي إلى المقاييس المثاليّة التي نسعى للوصول إليها، لكنّنا واثقون أنّ الله تعالى سيكون في عون من يعمل لأجل أمره، وسيستجيب دعاءنا ويكمل نقائصنا.

(من رسالة مؤرّخة 29 آذار/مارس1982 كُتبت بالنّيابة عن بيت العدل الأعظم لأحد الأحبّاء)

[69]

استلم بيت العدل الأعظم رسالتكم المؤرخة 14/9/1982م المتعلقة بدور المحفل الروحاني المحلي في توجيه الوالدين والأطفال وتوعيتهم بالمعايير السّلوكيّة للأطفال في الاجتماعات البهائيّة من قبيل الضّيافة التّسع عشريّة وجلسات إحياء المناسبات البهائيّة المقدّسة.

طلب منّا بيت العدل الأعظم أن نعلمكم بأنّه يجب تربية الأطفال على فهم الأهميّة الروحانيّة للاجتماعات التي تضمّ أتباع الجمال المبارك، وتقدير الشّرف والفضل الذي يعود عليهم جرّاء مشاركتهم في الاجتماعات بغضّ النّظر عن ماهيّتها.  من المؤكّد أنّ بعض مجالس المناسبات الأمريّة قد تكون طويلة بحيث يصعب على بعض الأطفال الصغار البقاء هادئين طوال هذه الفترة.  ففي هذه الحالات، قد يضطر أحد الوالدين حرمان نفسه من قسم من الاجتماع للاعتناء بالطفل.  كما يمكن للمحفل الروحاني أيضًا مساعدة الوالدين بتوفير شخص مناسب يشرف على الأطفال ويرعاهم، في غرفة منفصلة، خلال جزء من الجلسة.  وبذلك يصبح حضور الأطفال احتفال البالغين بأكمله دليلاً على نضوجهم المتزايد وامتيازًا عليهم أن يفوزوا به بحسن سلوكهم.

وفي كلّ الأحوال، يشير بيت العدل الأعظم إلى أنّ الوالديْن هما المسئولان عن أطفالهما وعليهما أن يجبراهم على التّصرّف بأدب عندما يحضرون الجلسات البهائية.  أمّا إذا أصرّوا على الإزعاج في الجلسات فيجب إخراجهم منها، وهو أسلوب ليس كونه ضروريًّا لضمان جوٍّ لائق ووقور للاجتماعات البهائيّة فحسب، بل هو جانب من جوانب تربية الأطفال على احترام الآخرين ومراعاة مشاعرهم، وإظهار الاحترام والطّاعة لوالديهم.

(من رسالة كتبت بالنيابة عن بيت العدل الأعظم بتاريخ 14 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1982 لأحدالمحافل)

[70]

لم نجد توضيحًا مفصّلاً في الكتابات المقدّسة للنّقاط التي وردت في بيان حضرة عبدالبهاء الذي تضمنته رسالتك، إذ يجب فهم البيان في سياق اللوح الذي اقتُطف منه[5].  يركّز البيان على المتطلّبات اللازمة لتربية الصّغار منذ نعومة أطفارهم على مواجهة تحدّيات حياة الكبار، والمساهمة في الحفاظ على قاعدة سلوكيّة لمجتمع متوازن ومتقدّم، ويؤكّد على العواقب الوخيمة التي يمكن أن نتوقّعها في العادة إذا لم يتمّ إيلاء اهتمام كاف بهذه المتطلّبات.  ففي مجتمع يحكمه ما جاء به حضرة بهاءالله من أوامر وأحكام، سيسهل على الفرد تقدير قيمة الإطار الذي تعطي فيه تلك المتطلّبات أطيب الثّمار.

            إنّ ما تجدر ملاحظته أنّ بيان حضرة عبدالبهاء يشير إلى المحاولات التي يبذلها الآخرون وليس إلى جهود الفرد نفسه في التّعلّم وتهذيب طباعه الشّخصيّة.  لحسن الحظّ تحمل الكتابات المقدّسة في طيّاتها وعودًا عديدة بشأن العفو والمغفرة التي تتيحها الرّحمة الإلهيّة للنّفوس الضّالة، وهناك شواهد على قوّة إيمان الفرد بالله في تغيير سلوكه مستقاة من حياة أبطال أمرالله وحياة النّاس العاديّين أيضًا.  وكما تعلم، فإنّ الهدف الرّئيس لمجيء مظهر أمرالله هو تغيير سلوك الأفراد، وبه يتمّ تغيير سلوك المجتمع برمّته.  لذا أنزل المظهر الإلهي أحكامًا وأوامر من شأنها أن تمكّن حدوث ذلك التغيير الكبير، فالنّهاية المثلى نحقّقها بالتّدريج بمساعي الفرد وجهاده، وبالتّجربة والخطأ، وفوق هذا كلّه بالاستقامة على أمرالله.

(من رسالة مؤرّخة 4 حزيران/يونيو 1984 كُتبت بالنّيابة عن بيت العدل الأعظم لأحد الأحبّاء)

[71]    

 

بالإشارة إلى سؤالك ما إذا كان على الأمّهات أن يعملن خارج المنزل، من المهمّ أن نفكّر بالموضوع من منظور مفهوم العائلة البهائيّة.  إنّ هذا المفهوم قائمٌ على مبدأ أنّ الرّجل هو المُعيل الرّئيس للعائلة، والأمّ هي المعلّمة الرئيسة والأساسيّة للأبناء.  ولا يعني ذلك بأيّ حال من الأحوال أنّ المهام ثابتة لا تحتمل التّغيير أو التّعديل لكي تلائم ظروف عائلة معيّنة، ولا يعني أن مكان المرأة مقصور على المنزل.  فرغم أنّ المسؤوليّة الرّئيسة قد تحدّدت في واقع الأمر، إلاّ أنّ الأبّ من المتوقّع له أن يلعب دورًا هامًا في تربية الأبناء، وقد تكون المرأة أيضًا مورد رزق للعائلة.  وصحيح ما أشرت إليه، فإنّ حضرة عبدالبهاء يشجّع  النّساء على “المشاركة التّامة في إدارة شؤون العالم وعلى قدم المساواة مع الرّجال.”

فيما يتعلّق باستفساراتك المحدّدة، فإنّ القرار المتعلّق بالمدّة التي تقضيها الأمّ في العمل خارج المنزل إنّما يعتمد على ظروف المنزل الدّاخليّة، وهي المعرّضة للتّغيير من وقت لآخر.  فالمشورة العائليّة ستساعد في التّوصّل إلى الحلول المناسبة.  أمّا بخصوص استفسارك عن الدورات التّدريبيّة المتخصّصة، وهل ستكون أكثر مرونة في المستقبل.  يوضّح بيت العدل الأعظم أنّ الظّروف المستقبليّة هي التي ستحكم مسائل كهذه.

(من رسالة مؤرّخة 9آب/ أغسطس 1984 كُتبت بالنّيابة عن بيت العدل الأعظم لأحد الأحبّاء)

[72]

يظهر أنّ الباحث المستفسر الذي أشرت إليه قد أساء فهم التّعاليم البهائيّة المتعلّقة بمسؤوليّة الآباء حيال تعليم أبنائهم.  من المؤكّد أنّ الأبّ يلعب دورًا هامًا.  ففي الكتاب الأقدس يتفضّل حضرة بهاءالله:

كُتب على كلّ أب تربية ابنه وبنته بالعلم والخطّ ودونهما عمّا حدّد في اللّوح… إنّ الّذي ربّى إبنه او إبنًا من الابناء كأنّه ربّى أحد أبنائي عليه بهائي وعنايتي ورحمتي الّتي سبقت العالمين.

إنّ أهميّة الدّور الذي أوكل للأمّ تأتي من حقيقة أنّها المعلّم الأوّل للطّفل، فموقفها وسلوكها، ودعاؤها ومناجاتها، وحتّى ما تأكله وحالتها الجسديّة لها تأثيرها البالغ على الطّفل وهو لا يزال في رحمها.  وفور ولادته، فهي التي منحها الله حليبًا هو الطّعام الأوّل الذي أُعدّ له.  وقد قدّر لها، إذا كان ذلك ممكنًا، أن تكون مع الطّفل لتربّيه وتعلّمه في أيّامه وأشهُره الأولى.  ولا يعني هذا أنّ الأبّ لا يُحبّ طفله أيضًا ولا يدعو له أو يهتمّ به.  ولأنّه المعيل الرّئيس للعائلة، فالوقت الذي يقضيه مع طفله عادة ما يكون محدودًا، بينما تكون الأمّ  قريبة منه باستمرار خلال الفترة الزّمنيّة الأكثر تأثيرًا على تكوينه حيث يكون فيها نموّه وتطوّره أسرع منه في مراحل عمره كلّها.  وكلّما نما الطّفل وأصبح أكثر استقلاليّة، تتغيّر طبيعة علاقته بوالدته ووالده، وعندها يمكن للأبّ أن يلعب دورًا أكبر.

قد تجد من المفيد أن تؤكّد للباحث المستفسر أنّ المبدأ البهائي القاضي بالمساواة بين الرّجل والمرأة إنّما جاء واضحًا في التّعاليم البهائيّة، وحقيقة وجود تنوّعٍ  في المهام بينهما في بعض المجالات لا تتعارض وهذا المبدأ.

(من رسالة مؤرّخة 23 آب/أغسطس 1984 كُتبت بالنّيابة عن بيت العدل الأعظم لاثنين من الأحبّاء)

[73]

إنّ بيت العدل الأعظم يدرك تمامًا معاناة بعض السيّدات كونهن أمّهات منفردات يأخذن على عاتقهنّ مسؤوليّة تربية الأبناء والإنفاق عليهم بالكامل.  إنّ مقصد دين حضرة بهاءالله هو إحداث تحوّل جذري في أساس المجتمع الإنساني برمّته الذي سيشمل بعث الرّوحانيّة في العالم الإنساني، وتحقيق وحدة العلاقات الإنسانيّة، وقبول مبادئ حيويّة من قبيل مساواة الرّجل والمرأة؛ ونتيجة لهذا التّحوّل سيتمّ تعزيز استقرار الزّواج، وسيكون هناك تراجع كبير في الظّروف التي تؤدّي إلى حالات انهيار الزّواج.  ولتحقيق هذا الهدف بسرعة، على البهائيّين أن يستمرّوا في جذب القوى الرّوحانيّة الضروريّة لإنجاحه؛ وهذا يتطلّب التزامًا تامًّا بالمبادئ التي جاءت في التّعاليم البهائيّة، وكلّهم ثقة بأنّ الحكمة من وراء تلك التّعاليم المباركة ستتكشّف بالتّدريج لعموم الجنس البشريّ.

(من رسالة مؤرّخة 11 كانون الثّاني/يناير 1988 كُتبت بالنّيابة عن بيت العدل الأعظم لأحد الأحبّاء)

[74]

إنّ أفضل طريقة للنّظر في المسائل التي أثرتها[6] تجدها في ضوء التّعاليم البهائيّة المتعلّقة بالعلاقات العائليّة.  يجب أن يسود هذه العلاقات روح من الاحترام المتبادل ومراعاة لمشاعر الوالدين والأبناء على حدّ سواء، بحيث يلجأ الأبناء إلى الوالدين طلبًا للنّصح والإرشاد، ويقوم الوالدان بتربية ورعاية أبنائهم.  إنّ ثمرة هذه العلاقة هي بلوغ الأطفال سن الرّشد وقد صُقلت قواهم الخاصّة بحسن التّمييز وسداد الرّأي، وبذلك يكون بمقدورهم توجيه مسار حياتهم بأسلوب يحقّق لهم فلاحهم ونجاحهم.

وفي إطار هذا الاحترام المتبادل، على الوالدين أن يتحليا بالحكمة والعقلانيّة إذا ما طوّر أبناؤهم علاقات صداقة قد تُفضي في النهاية إلى الزّواج.  وعليهم أن يراعوا بكلّ دقّة ظّروف تقديمهم النّصيحة والأحوال التي قد تبدو أنّها تدخّل في شؤونهم.

ومن جهتهم، على الأبناء أن يدركوا أنّ والديهم يهمّهما جدًّا خيرهم وصلاحهم، وأنّ وجهة نظر الوالدين جديرة بالاحترام وأخذها بعين الاعتبار بكلّ اهتمام.

وكما تعلمون، فإنّ اختيار شريك الزّواج يكون بدايةً بين الطرفيْن المعنيّيْن مباشرة، ثم يتبعه الحصول على موافقة الأحياء من والديْ الطّرفين كشرط لإتمام الزّواج.

وبهذا الخصوص، كما هو الحال في كافة مناحي العلاقات الإنسانيّة، هناك دور كبير للمشورة في تبديد سوء الفهم وتوضيح المسار الصّحيح الذي يجب أن يسلكه الفرد في ضوء التّعاليم البهائيّة المباركة.           

          (من رسالة مؤرّخة 25 تمّوز/يوليو 1988 كُتبت بالنّيابة عن بيت العدل الأعظم لأحد الأحبّاء)

[75]

مع أنّ دور الأمّ في تنشئة الأبناء عظيم حقًّا، إلاّ أنّنا نشعر أنّه من المهمّ ألاّ نقلّل من شأن أهميّة المسؤوليّة التي أسندتها الكتابات المقدّسة للأب في هذا المجال.  يميل الآباء اليوم إلى ترك مسألة تربية الأبناء للأمّهات إلى حدّ لا يمكن تبريره على الإطلاق، ولا نود أن نعطي انطباعًا بأنّ التّعاليم البهائيّة تؤيّد هذا الموقف والسّلوك.        

          (من مذكّرة أعدّها بيت العدل الأعظم مؤرّخة 28 شباط/فبراير 1989)

[76]

 

لا شكّ أنّ تبليغ أمرالله من أعظم الأعمال لدى الغنيّ المتعال، وتتضاعف بركات الأحبّاء إذا جمعوا بين التبليغ والهجرة.  إنّ السّهر على احتياجات العائلة هو أيضًا ذو أهميّة روحانيّة سامية، ولا يُسمح بتجاهل ترقّي العائلة بالانخراط في خدمة أمر الله.  إذ يجب اعتبار تبليغ أمرالله وتلبية احتياجات العائلة كلاهما في نفس الدّرجة العالية في ميزان خدمة أمرالله.  إلاّ أنّ ظروفًا معيّنة هي التي تحدّد للعائلة درجة تعاملها مع كلّ منها.  من المسلّم به أنّ أبناء المهاجرين يُدعوْن إلى مشاركة والديهم بالتّضحية عندما ينتقلون إلى مكان آخر غريب عليهم مثلما شارك أبناء حضرة بهاءالله وحضرة عبدالبهاء والديهم بتضحياتهم.  لكن علينا أن لا ننسى أن الأبناء سينالون نصيبهم من البركات الرّوحانيّة وثواب الهجرة.

(من رسالة مؤرّخة 8 شباط/فبراير 1990 كُتبت بالنّيابة عن بيت العدل الأعظم لأحد الأحبّاء)

[77]

 

لقد طرحتَ عدّة أسئلة حول معاملة الأطفال.  من الواضح من الكتابات المقدّسة البهائيّة أن ممارسة التّأديب هو جزء حيوي ومهمّ في عمليّة تربيّة الأطفال وتعليمهم.  لقد ذكر حضرة شوقي أفندي في رسالة كُتبت بالنّيابة عنه ما يلي:

إنّ التّأديب من أيّ نوع كان جسديًا أو خُلقيًّا أو عقليًّا لا غنًى عنه في الحقيقة، ولا يمكن أن يكون أيّ توجيه كاملاً أو مثمرًا إذا أهمل هذا العامل، إنّ الطّفل عندما يُولد يكون بعيدًا عن الكمال فهو ليس فقط عاجزًا لكنّه في الحقيقة ناقص حتّى إنّه بالطّبيعة يميل أكثر إلى الشّرّ، ينبغي أن يوجَّه هذا الطفل وتنضبط رغباته الطّبيعيّة وتُكيّف وتوجّه وإذا لزم الأمر تُكبح وتُنظّم حتى يضمن نموّه الجسماني والخُلُقي الصّحيح. إنّ الوالدين البهائيّين لا يمكنهما حقًّا أن يتبنّيا موقف “اللاّمقاومة” نحو أولادهم وبخاصّة الأولاد الطّائشين الضّعيفين بطبيعتهم، حتّى إنّه ليس بكافٍ أن يصلّيا ويدعوا الله من أجلهم، بل ينبغي للوالدين في الواقع أن يسعيا في غرس مبادئ سلوك خُلُقيّ في أذهان أطفالهم الغضّة بكلّ لطف وصبر ويلقّناهم مبادئ هذا الأمر المبارك وتعاليمه بكلّ عناية ولباقة ومحبّة حتى تمكّنهم من أن يصبحوا “أبناء الله الحقيقيّين” ويشّبوا كمواطنين مُخلصين أذكياء في ملكوته…

 

          مع أنّ التّأديب الجسدي للأطفال أمر مقبول في سياق عمليّة تربيتهم وتعليمهم، إلاّ أنّه يجب أن يتمّ “بكلّ لطف وصبر” و “بكلّ عناية ولباقة ومحبّة” بعيدًا جدًّا عن الغضب والعنف الذي يتعرّض فيه الأطفال للضّرب والإساءة في بعض مناطق العالم.  إنّ معاملة الأطفال بهذه الطّريقة البغيضة هو إنكار لحقوقهم الإنسانيّة وخيانة للثّقة التي ينتظرها الضّعيف من القويّ في الجامعة البهائيّة.

من الصّعب أن نتخيّل سلوكًا إنسانيًّا أكثر خسّة من التّحرّش الجنسيّ بالأطفال.  وأحطّ أشكاله سفاح القربى.  ففي وقت من أقدار الإنسانيّة، وبكلمات حضرة ولي أمرالله، عندما يظهر “ضلال الطّبيعة الإنسانيّة” و “انحطاط الخُلُق الإنساني” و “فساد وانحلال النُّظُم البشريّة… كلّ ذلك يظهر بأشدّ شرور وأعظم ثوران”.  وعندما “يسكت صوت الضّمير الإنساني” و “يختفي شعور الحياء والخجل” على المؤسّسات البهائيّة أن تكون حازمة ويقظة في التزامها حيال حماية الأطفال الذين ائتُمِنت على حمايتهم ورعايتهم، وألاّ تسمح للتّهديدات أو الالتماسات أن تكون ذريعة لتنأى بنفسها عن واجبها. وعلى أحد الوالدين الذي يعلم بأنّ شريكه في الزّواج يعرّض الطّفل  للتحرّش الجنسي ألاّ يسكت على ذلك، بل عليه أن يقوم بكافة التّدابير اللازمة، بمساعدة المحفل الرّوحاني أو السّلطات المدنيّة إذا اقتضت الضّرورة، لوقف هذا السّلوك البذيء غير الأخلاقي على الفور وطلب الشّفاء والعلاج.

ركّز حضرة بهاءالله بشكل كبير على واجبات الوالديْن تجاه أبنائهم، وحثّ الأبناء على العرفان بالجميل تجاه والديْهم والفوز برضائهما لأنّه بمثابة الفوز برضاء الله. ومع ذلك، أشار حضرته إلى أنّه تحت ظروف معيّنة، يمكن أن يُحرم الوالدان من حقّ الأبوّة نتيجة أعمالهما.  لبيت العدل الأعظم الحقّ في أن يشرّع بالخصوص، فقد قرّر أن يتم الرّجوع إليه في الوقت الحاضر في جميع الحالات التي يظهر فيها من سلوك أو شخصيّة أحد الوالدين أنّه غير جدير بحصوله على حقّ الأبوّة كحالة الموافقة على الزّواج مثلاً.  فمسائل كهذه ممكنة الحدوث من قبيل قيام أحد الوالدين بسفاح القربى، أو إذا حملت الطّفلة نتيجة الاغتصاب، وأيضًا عندما يُخفق أحد الوالدين عمدًا في حماية الطّفل من تحرّش جنسيّ آثم.

(من رسالة مؤرّخة 24 كانون الثّاني/ يناير 1993 كُتبت بالنّيابة عن بيت العدل الأعظم لأحد الأحبّاء)

[78]

… مع أنّ الأطفال البهائيّين لا يرثون أمرالله عن آبائهم، فإنّ الآباء مسؤولون عن تنشئة أطفالهم ورعاية صحّتهم الرّوحانيّة.  لهذا على الوالدين أن يسعوا في إعلام أطفالهم منذ نعومة الأظفار بوجود الله وأنّ يحبّوه، وأن يجهدوا في توجيههم نحو الطّاعة التّامة لنصائح وأحكام وأوامر حضرة بهاءالله.  ومن بين هذه النّصائح الاعتراف بكافة المظاهر الإلهيّة والمعاشرة مع الأديان كلّها، والصّداقة مع جميع البشر، وأهميّة تحرّي الحقيقة.  لهذا من الطّبيعي اعتبار أطفال البهائيّين بهائيّين إلاّ إذا كان هناك مانع يحول دون ذلك.  وبأساس كهذا من المعرفة والفهم سيكون كلّ طفل قد أُعدّ بشكل جيّد لأن يفكّر بوضوح ويقرّر لنفسه أيّ طريق سيسلك عندما يصل سن البلوغ أو في مسار حياته كبالغ.

(من رسالة مؤرّخة 26 كانون الثّاني/ يناير 1994 كُتبت بالنّيابة عن بيت العدل الأعظم لأحد الأحبّاء)

[79]

          هناك عدّة فقرات في الكتابات المقدّسة تركّز على أهميّة وحدة العائلة والمسؤوليّة الكبرى التي يجب أن يوليها الأبناء تجاه والديْهم والوالدين تجاه أبنائهم. وعليه، فإنّ البهائيّين مدعوّون حقًّا إلى إطاعة والديهم.

ومع ذلك، فإنّ مبدأ الاعتدال في جميع الأمور من أهمّ المبادئ البهائيّة.  حتّى الفضائل، إذا تمسّكنا بها إلى حدّ الإفراط ولم نقرنها بفضائل أخرى مكمّلة، فإنّها قد تؤدّي إلى ضرر كبير.  فعلى سبيل المثال، علينا أن لا نتوقّع من الطّفل أن يصغي إلى أوامر والديه إذا طلبوا منه أن يرتكب معصية.  وكذلك هناك خطر عظيم يكمن في تعظيم أحد الأحكام بمعزل عن أحكام أخرى.  وكما بيّن حضرة عبدالبهاء إنّ وحدة العائلة هو أمر في غاية الأهميّة، شريطة أن تحقّق التّوازن بين حقوق كلّ فرد من أفرادها:

وفقًا لتعاليم حضرة بهاءالله، يجب تثقيف العائلة، كونها وحدة إنسانيّة، بمقتضى أحكام التّنزيه والتّقديس.  وينبغي تعليم أفراد العائلة كافة الفضائل الإنسانيّة. كما يجب مراعاة سلامة الرّباط العائلي على الدّوام، وعدم انتهاك أي حقّ من حقوق أفرادها،  فحقوق الابن والأب والأم يجب ألاّ تُنتهك، وألاّ تكون مخالفة للمنطق والأصول.  فكما تترتّب على الإبن واجبات معيّنة تجاه والده، فكذلك تترتّب على الأب واجبات معيّنة تجاه ابنه.  وللأمّ والأخت وسائر أفراد العائلة امتيازات وحقوق معيّنة يجب المحافظة عليها جميعها.  وعلاوة على ذلك، يجب دعم وتعزيز وحدة العائلة، واعتبار أيّ ضرر يلحق بأيّ فرد منها هو ضرر يلحق الجميع، وراحة كلّ منهم هو راحة للجميع، وشرف أحدهم هو شرف الجميع.

(من كتاب Promulgation of Universal Peace: خطب لحضرة عبدالبهاء ألقاها في  الولايات المتحدة الأمريكيّة وكندا عام 1912، الطّبعة الثّانية، دار الطّبع والنّشر في ويلمت، 1982، ص 168)

وهناك مبدأ أساسي آخر يجب أن يتأثّر به فهم البهائيّ لوجوب طاعة الوالدين ومقاربته ألا وهو النّصيحة الإلهيّة بالمشورة في جميع الأمور.  وكما يتفضّل حضرة عبدالبهاء بأنّ “المشورة هي إحدى العناصر الأساسيّة للأحكام الإلهيّة”.  فإذا استطاع الابن وأحد الوالدين، أن يعمّقا بالمشورة فهمهما لوجهة نظر بعضهما البعض، والوصول إلى وحدة في الفكر والهدف، عندئذٍ يمكن تجنّب الصّراع حول الطّاعة.

بخصوص نقاشك حول العلاقة بين طاعة الوالدين من ناحية وإبداء الرّأي الشّخصي  والحريّة والنّضوج الرّوحاني من ناحية أخرى، يوجّه بيت العدل الأعظم عنايتك إلى وجهة نظر أخرى حول الموضوع.  فمع أنّ الأفراد مسؤولون عن أعمالهم ونموّهم الرّوحاني، إلاّ أنّهم لا يعيشون فرادى بل هم جزء من عائلات ومجتمعات.  إنّ اتّخاذ قرار بتنازل الفرد عن رغبته الشّخصيّة أمام رغبة والديه أو مؤسّسات أمرالله أو السّلطات المدنيّة أو القانون في تلك المسألة – يمثّل تعبيرًا عن حريّة الإرادة وليس تحجيمًا لها.  وفي اختيار الابن الإطاعة، فإنّه بذلك يسهم في وحدة العائلة لا بل وأكثر من ذلك في وحدة أمرالله.

(من رسالة مؤرّخة 24 أيلول/ سبتمبر 1997 كُتبت بالنّيابة عن بيت العدل الأعظم لأحد الأحبّاء)

[80]

فأطفالُنا تلزَمُهم التربيةُ الرّوحانيّةُ والانخراطُ في الحياةِ البهائيّةِ.  وعلينا ألا نتركَهُم هائمين على وجوهِهِمْ صرعى تياراتِ عالمٍ موبوءٍ بالأخطارِ الأخلاقيّةِ.  ففي مجتمعِ اليومِ يواجهُ الأطفالُ مصيرًا قاسيًا حرجًا.  فالملايينُ والملايينُ في القطرِ تلوَ الآخرِ يعانونَ من التَّفكُّكِ الاجتماعيِّ، ويجدُ الأطفالُ أنفسَهم غرباءَ بين والديْنِ وأفرادٍ بالغين آخرين سواء عاشوا في بَحبوحةِ الغنى أو مرارةِ الفقرِ.  ولهذه الغربة جذورٌ في مستنقعِ الأنانيّةِ التي تفرزُها الماديّةُ البحتةُ وتشكّلُ جوهرَ اللادينيّةِ المُستوليةِ على قلوبِ البشرِ في كلِّ مكانٍ.  إنَّ التّفكُّكَ الاجتماعيّ للأطفالِ في وقتِنا الرّاهنِ مؤشرٌ أكيدٌ على مجتمعٍ منحلٍّ متفسِّخٍ.  ومع ذلك، فهذا الأمرُ ليسَ حِكرًا على عرقٍ أو طبقةٍ أو أمّةٍ أو وضعٍ اقتصاديّ معيّن، فالجميع مبتلىً به.  وما يعتصرُ قلوبنَا ألمًا مشاهدةُ عددٍ كبيرٍ من الأطفالِ في مختلفِ أرجاءِ العالمِ يُجَنَّدون في الجيشِ ويُستخدَمون عُمّالاً ويُباعون رقيقًا ويُكرَهون على ممارسةِ البغاءِ ويُجعلونَ مادّةً للمُنتجات والتّصاوير الإباحيّةِ، ويهجرهم آباؤهم المنشغلون بأهوائِهم الشّخصيّةِ، ويقعون فريسةَ أشكالٍ أخرى لا حصرَ لها من الخداعِ والاستغلالِ.  وكثيرٌ من هذه الفظائعِ يمارِسُها الآباءُ أنفسُهم مع أطفالِهم.  وعليه لا يمكنُ تقديرُ الأضرارِ الرّوحانيّة والنّفسيّةِ النّاجمةِ عن ذلك.  ولا يمكنُ لجامعتِنا البهائيّةِ أن تعيشَ في معزلٍ عن إفرازاتِ تلكَ الظّروفِ.  إنّ وعيَنا بهذه الحقيقةِ يجبُ أن يدفعَنا جميعاً نحوَ العملِ الحثيثِ والجَهدِ الموصولِ لصالحِ الأطفالِ وسلامةِ المستقبلِ…

إنّ الأطفالَ هم أنْفَسُ كنزٍ يمكنُ للجامعةِ أن تمتلكَه، لأن فيهم نرى أملَ المستقبلِ وضمانَهُ.  وهم الذين يحملون بذورَ الشّخصيّةِ التي سيكون عليها المجتمع في المستقبلِ والتي يشكّلها إلى حدٍّ كبيرٍ ما يفعلُه البالغون في الجامعةِ أو بما يُخْفِقُون في أدائه تجاهَ الأطفالِ.  إنهم أمانةٌ لا يمكنُ لجامعةٍ فرّطت بها أن تفلتَ من العقابِ.  فتطويق الأطفالِ بالمحبّةِ من الجميعِ، وأسلوبُ معاملتِهم، ونوعُ الاهتمامِ المبذولِ نحوَهم، وروحُ السُّلوكِ التي يتعامل بها الكبار معهم، كل ذلكَ يمثّلُ جزءًا من الجوانبِ الحيويّةِ للسّلوكِ والموقفِ المطلوبِ.  فالمحبّةُ تستدعي النّظامَ والانضباطَ، والمحبّةُ تستلزمُ الشجاعةَ على تعويدِ الأطفالِ وتدريبِهم على الشّدائدِ، لا أن نتركَ العنانَ لنزواتِهم أو نترُكَهُم بالكلّيّةِ ليحقّقوا أهواءَهم.  ويجبُ توفيرُ جوٍّ يشعر الأطفالُ فيه بانتمائِهم للجامعةِ فيشاركونَها أهدافَها وطموحاتِها.  يجب توجيهُهم بمحبةٍ لا تخلو من الحزمِ للعيش وفقَ معاييرِ الحياةِ البهائيَّةِ، وأن يقوموا بدراسةِ الأمرِ المباركِ وتبليغِهِ بأساليبَ تتَّفقُ وظروفَهم…

والآن نودُّ أن نوجِّهَ بعضَ الكلماتِ للوالديْنِ اللذيْن يتحمَّلان المسؤوليةَ الأساسيةَ في تربيةِ أطفالِهم وتنشئتِهم.  إننا نناشدُهم بذلَ الاهتمامِ المستمرِّ لتربيةِ أطفالِهم تربيةً روحانيةً. ويبدو أن بعضَهم يعتقدُ بأن هذا النوعَ من التربيةِ يقعُ ضمنَ مسؤوليةِ الجامعةِ وحدَها، وآخرون يعتقدون بضرورةِ تركِ الأطفالِ دون تدريسِهم الأمرَ المباركَ حِفاظاً على استقلالِهم في التّحري عن الحقيقةِ. وهناك مَنْ يشعرون بأنّهم ليسوا أهلاً للقيامِ بهذه المُهمَّةِ.  كلُّ هذا خطأ.  لقد تفضّلَ حضرةُ عبد البهاء “فُرِضَ على الوالديْن فرضاً بأن يُربِّيا أبناءَهما وبناتِهما ويعلِّماهم بمنتهى الهمَّةِ“، وأضاف أنّه “في حالِ قصورِهِما بهذا الصّدد فهُما مؤاخذان ومدحوران ومذمومان لدى الله الغيُّور“.  وبغضِّ النَّظرِ عن مستوى التّحصيل العلميّ للوالديْنِ تبقى مهمّتهما هامةً وحسّاسةً في صياغةِ التطوّر الرّوحانيّ لأطفالِهم.  عليهما ألا يستخفّا بقدرتِهما في تشكيلِ شخصيةِ أطفالِهما الأخلاقيّة. لأنهما صاحبا التأثيرِ الأساسي عليهم بتأمينِ البيئةِ المناسبةِ في المنزلِ التي يَخْلقانها بحبِهم للهِ، والجهادِ من أجلِ تنفيذِ أحكامِه، واتّصافِهما بروحِ الخدمةِ لأمرِه، وتنزيهِهما عن شوائبِ التّعصبِ، وتحرّرِهما من شرورِ الغيبةِ المدمّرةِ.  فكلُّ والدٍ مؤمنٍ بالجمالِ المباركِ يحملُ في عنقِه مسؤوليةَ السلوكِ الكفيلِ بإظهارِ الطّاعةِ التّلقائيّة للوالدينِ، وهي الطّاعةُ التي توليها التعاليمِ المباركةِ قيمةً كبيرة.  ومن الطبيعي أنّ الوالدين، إلى جانبِ أعبائِهما المنزليّةِ، عليهما واجبُ دعمِ صفوفِ تعليمِ الأطفالِ التي تنظّمها الجامعةُ. ويجبُ أن نضعَ نصبَ أعينِنا أيضاً أن الأطفالَ يعيشون في عالمٍ يخبرُهم بحقائقَ جافّةٍ قاسيةٍ من خلالِ تجاربَ مباشرةٍ مجبولةٍ بالأهوالِ التي مرَّ ذكرُها، أو بما تنشرُه وسائلُ الإعلامِ من معلوماتٍ لا يمكنُ تفاديها، وكثيرٌ منهم يُساقون نحوَ البلوغِ قبل أوانِه، وبينهم أطفالٌ يبحثون عن قيمٍ ومعاييرَ تهدي خُطاهم في حياتِهم. وأمامَ هذه الخلفيّةِ القاتمةِ المشؤومةِ لمُجتمعٍ متفسِّخٍ متدهور، على الأطفالِ البهائيين أن يسطعوا نجوماً متلألئة رمزاً لمستقبلٍ أفضل.

(من رسالة الرضوان لعام 2000 التي وجّهها بيت العدل الأعظم إلى البهائيّين في العالم)

[81]

03  تعزيز الحياة البهائيّة

 

مقتطفات من آثار حضرة بهاءالله

 

طوبى لبيت فاز بعنايتي وارتفع فيه ذكري وتشرّف بحضور أوليائي الذين نطقوا بثنائي وتمسّكوا بحبل عنايتي وفازوا بتلاوة آياتي. إنّهم عباد مكرمون الذين وصفهم الله في قيوم الأسماء وفي كتب أخرى. إنّه هو السّامع وهو النّاظر وهو المجيب.

(من أرشيف المركز البهائي العالمي)

[82]

 

رَأْسُ الْهِمَّةِ هُوَ إِنْفَاقُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَهْلِهِ وَالْفُقَرَآءِ مِنْ إِخْوَتِهِ فِي دِينِهِ.

 

رَأْسُ التِّجَارَةِ هُوَ حُبِّي بِهِ يَسْتَغْنِي كُلُّ شَيْءٍ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَبِدُونِهِ يَفْتَقِرُ كُلُّ شَيْءٍ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهَذَا مَا رُقِمَ مِنْ قَلَمِ عِزٍّ مُنِيرٍ.

 

(مجموعة من ألواح حضرة بهاءالله النّازلة بعد الكتاب الأقدس، ص 136)

[83]

لا شكّ أبدًا في أنّ كلّ ما صدر وجرى من القلم الأعلى من أوامر ونواهٍ يرجع نفعها إلى العباد أنفسهم، ومنها مثلاً حقوق الله، وإذا وُفّق النّاس على أدائها وهبهم الحقّ، جلّ جلاله وعزّ، البركة كما يبقى ذلك المال من نصيبهم ونصيب ذريّتهم، وكما ترى، فإنّ أكثر أموال النّاس ما كانت ولن تكون من نصيبهم، ويسلّط الحقّ الأغيار عليها أو ورّاثًا يكون الأغيار أفضل منهم. إنّ حكمة الله البالغة فوق كلّ ذكر وبيان. إنّ النّاس يشهدون ثمّ ينكرون ويعرفون ثمّ يجهلون. لو عملوا بالأوامر لحصلوا على خير الدّنيا والآخرة.

(المجموعة المستندية لحقوق الله، مقتطف رقم 17)

[84]

 

مقتطفات من آثار حضرة عبدالبهاء

 

إنّي أدعو الله أن يجعل بيتكِ محلاً لسطوع أنوار الهدى وانتشار آيات الله وتوقّد نار محبته في قلوب عبيده وإمائه في كلّ حين واعلمي أنّ كلّ بيت يرتفع منه ذكر الله بالتهليل إلى الملكوت الجليل ذلك البيت جنّة من جنان الله وروضة من رياض ملكوت الله.

(من أرشيف المركز البهائي العالمي)

[85]

إذا تجلّى الحبّ والوفاق في العائلة فإنّها ستتقدّم وتصبح مستنيرة وروحانيّة، ولكن إذا سادت العداوة والبغضاء بين أفرادها، فإنّ دمارها وهلاكها محتومان.

(The Promulgation of Universal Peace : خطب ألقاها حضرة عبدالبهاء خلال زيارته إلى الولايات المتّحدة وكندا عام 1912، طبعة منقّحة (دار ويلمت للطّباعة والنّشر 1982)، ص 154)

[86]

يمكننا مقارنة الملل بأفراد عائلة، فالعائلة مكوّنة من أفراد، وكلّ ملّة مكوّنة من أفراد وأشخاص أيضًا. فإذا جمعتم جميع الملل تصبح عائلة عظيمة. ومن الواضح أنّ النّزاع والجدال بين أفراد عائلة واحدة يؤدّيان إلى الخراب. وبنفس الكيفيّة فإنّ الحرب والقتال بين الملل يؤدّيان إلى دمار عظيم.

(مترجم عن الفارسيّة، مجموعة خطابات حضرة عبدالبهاء، ج2، ص 99)

[87]

عامل كلّ الأصدقاء والأقرباء وحتّى الغرباء بمنتهى المحبّة واللطافة.

(مترجم من لوح بالفارسيّة من أرشيف المركز البهائي العالمي)

[88]

لا تحزن، فستسكن عاصفة الأحزان، وتزول الحسرات، ويتلاشى الحرمان، وتشتعل نار محبّة الله فتحرق أشواك الهمّ والغمّ! استبشر واطمئن بعنايات البهاء على شأن تنعدم معه الرّيبة والشّك، وتظهر فيوضات الغيب في عرصة الوجود…

إذا آثر الأصدقاء والأقرباء الابتعاد عنك، لا تحزن فالله قريب منك. أمّا أنت فتقرّب ما استطعت من الأقرباء والغرباء وأظهر لهم العطف والمحبّة. وكن في غاية الصّبر والتّحمّل. ومهما بلغوا من الظّلم عاملهم بالعدل والإنصاف، ومهما أبدوا من البغض العداوة فقابلهم بالصّدق والألفة والمصالحة.

(مترجم عن لوح بالفارسيّة من أرشيف المركز البهائي العالمي)

[89]

أيّها الإخوة العطوفين السّالكين سبيل الله! اشكروه تعالى لما جمعتم الأخوّة الجسمانيّة والرّوحانيّة معًا. وأصبح باطنكم عين ظاهركم، وظاهركم عنوان باطنكم. إنّ حلاوة هذه الإخوّة تمتّع مذاق الرّوح، ولذّة هذه النّسبة تسرّ الفؤاد. احمدوا الله لأنّكم كالطيور الشّكورة قد بنيتم أعشاشكم في الحدائق الإلهيّة، وبالمثل ستبنون أعشاشكم في روضة الرّحمن في الملكوت الأبهى فوق أغصان سدرة المنتهى، فأنتم طيور مروج الهداية وعنادل أيكة الموهبة. فأيّ فضل هذا وأيّ عناية عظيمة تلك. فاشكروا الله على هذا الفضل العظيم والفوز الجليل.

(منتخباتي أز مكاتيب حضرت عبدالبهاء، ج2، ص 244)

[90]

أوصلوا بشارة الملكوت إلى الأسماع، وانشروا كلمة الله في الأصقاع، واعملوا بالنّصائح والوصايا الإلهيّة. أي، قوموا بأعمال وآداب تهب الحياة لجسم العالم وتوصل طفل الإمكان إلى مقام الرّشد والبلوغ. اشعلوا ما استطعتم شمع المحبّة في كلّ محفل، وادخلوا السّرور والامتنان بغاية الرّأفة إلى كلّ فؤاد. لاطفوا الغرباء تمامًا كما تلاطفون الأقرباء، وكونوا للغير عطوفين أوفياء كما أنتم للأحبّاء. وإذا سعت نفس للحرب فاسعوا للصّلح، وإذا طعنكم أحد في الكبد فضعوا مرهمًا على جرحه، وإذا شمت بكم أحبّوه، وإذا لامكم فامدحوه. وإذا أعطاكم السّمّ القاتل فقدّموا له الشّهد الشّافي، وإذا أوقعكم في التّهلكة فامنحوه الشّفاء الأبدي. وإذا سبّب لكم ألمًا كونوا له علاجًا، وإذا أصبح شوكًا كونوا وردًا وريحانًا. نتيجة لهذه الأعمال والأقوال قد يغدو هذا العالم الظّلماني نورانيًّا وهذا العالم التّرابي سماويًّا وهذا السّجن الشّيطاني أيوانًا رحمانيًّا. فتزول الحرب الجدال وترتفع خيمة المحبّة والوفاء في قطب العالم.

(مترجم عن لوح بالفارسيّة من أرشيف المركز البهائي العالمي)

[91]

 

كلّ إنسان ناقصٍ أنانيٌّ ولا يفكّر إلاّ في راحته ومصلحته الشّخصيّة، ولكن مع اتّساع آفاق فكره قليلاً يبدأ بالتّفكير في راحة وخير عائلته. وإذا اتّسعت آفاق فكره أكثر أضحى يفكّر في سعادة أهل بلده. وعندما تتّسع آفاق فكره أكثر فأكثر يفكّر في عزّة وطنه وأمّته. وعندما تتّسع آفاق فكره اتّساعًا تامًّا وتصل إلى درجة الكمال يفكّر في علوّ نوع الإنسان، ويطلب خير جميع الخلق، ويسعى في راحة وسعادة جميع البلدان، وهذا دليل الكمال.

(منتخباتي أز مكاتيب حضرت عبدالبهاء، رقم 34)

[92]

أيّ ربّ! في هذا الدّور الأعظم شفاعة الأبناء للآباء مقبولة لديك، وهذا من خصائص ألطاف هذا الدّور اللامتناهية. فيا ربّ يا رحمن، اقبل إذن رجاء عبدك هذا لدى عتبة أحديّتك، واغرق والده في بحور الألطاف، فهذا الابن قائم على خدمتك وساعٍ دومًا في سبيل محبّتك. إنّك أنت المعطي الغفور العطوف!

(مترجم عن الفارسيّة من أرشيف المركز البهائي العالمي)

[93]

 

يا إماء الرّحمن اشكرن جمال القدم لاجتماعكنّ في هذا القرن الأعظم والعصر المنوّر. وشكر هذه الألطاف يكون بالاستقامة على العهد والميثاق بكلّ متانة وقوّة، وبموجب التّعاليم الإلهيّة والشّريعة المقدّسة قوموا بإرضاع أطفالكنّ منذ سنّ الطّفولة من ثدي التّربية الكاملة، وتربيتهم منذ سنّ الرّضاعة على شأن ترسخ الآداب والسّلوك بموجب التّعاليم الإلهيّة تمامًا في طبائعهم وطينتهم. فاوّل مربّ وأوّل معلّم هنّ الامّهات اللواتي يؤسسن حقًّا سعادة ورفعة وأدب وعلم ومعرفة وفطنة ودراية وديانة الأطفال.

(منتخباتي أز مكاتيب حضرت عبدالبهاء، ج1، ص 122-123)

[94]

 

أيّتها الوردة المتفتّحة في حديقة محبّة الله، احمديه لما خُلقتِ من صلب الأحبّاء، ورضعت من ثدي محبّة الله، ونشأت ونموت في حضن معرفة الله، أملي أن تحقّقي آماني أبيك وأمّك، وتصبحي سروة باسقة في حديقة آمالهما، وثمرة طيّبة يانعة لشجرة تطلّعاتهما، وتقومي بخدمة كلمة الله، وتصبحي سبب عزّة أمرالله.

(منتخباتي أز مكاتيب حضرت عبدالبهاء، ج2، ص 243)

[95]

 

مقتطفات من رسائل كتبت بالنّيابة عن حضرة شوقي أفندي

فبيت بهائيّ حقيقيّ إنّما يُعدّ حصنًا حقيقيًّا يمكن للأمر المبارك الاعتماد عليه في تخطيطه لحملاته. فإذا كان … و … يحبّان بعضهما البعض ويرغبان في الزّواج، فإنّ حضرة شوقي أفندي لا يريد لهما أن يعتقدا أنّ بهذه الخطوة يحرمان نفسيْهما من امتياز الخدمة، بل إنّ ذلك الاتحاد في الحقيقة سيعزّز من قدرتهما على الخدمة. ليس هناك ما هو أجمل من زواج البهائيّين في مقتبل العمر وتأسيسهم بيوتًا بهائيّة حقيقيّة كتلك التي يريدها حضرة بهاءالله.

(من رسالة مؤرخة في 6 تشرين الثاني/نوفمبر 1932 موجّهة لأحد الأحبّاء)

[96]

لقد شعر حضرته بأسىً شديد لدى علمه بالصّعاب التي تواجهها عائلتك وبمشاكلك والأمور التي تثير قلقك. ويرجوك أن تبقى قويًّا صابرًا واثقًا بهداية الله وعونه الأكيديْن. لدينا جميعنا عراقيل ماديّة صغيرة في هذه الحياة، وليس بإمكاننا التّخلص منها بالكلّية. إلا أنّ أفضل ما يمكننا القيام به، بعد أن تكون كلّ جهودنا قد فشلت في تلافيها، هو التركيز على تلك الأمور التي بإمكانها وحدها جلب السّعادة الحقيقيّة والسكينة لقلوبنا. وعليك أن تكون شاكرًا لله الذي مكّنك من معرفته وقبول أمره. لأن هذا بكلّ تأكيد هو المصدر الوحيد للسّعادة والعزاء في لحظات المعاناة. هل هناك ما هو جدير بالاهتمام أكثر من القيام على تبليغ أمره؟ هذه نصيحة حضرة وليّ أمر الله. يأمل حضرته منك أن تنسى، قدر استطاعتك، صعابك الماديّة وأن تركز بالكلّيّة على دراسة التّعاليم الإلهيّة ونشرها. فأنت تتحلّى بالاهتمام والحماس والتّكريس والمقدرة المطلوبة، وسيكون من المؤسف أن تفشل في استغلال هذه الصّفات المميّزة بأقصى درجة ممكنة.

(من رسالة مؤرخة في 4 تشرين الأول/ أكتوبر 1933 موجّهة لأحد الأحبّاء)

[97]

يرغب حضرة وليّ أمر الله أن أحثّكِ، على وجه الخصوص، أن تبقي صابرة وواثقة، وفوق ذلك كلّه أن تبدي لزوجك منتهى اللّطف والمحبّة كردٍّ على ما تعانيه منه من معارضة وكراهيّة. إن موقفًا وديًّا واسترضائيًّا في مثل هذه الحالات ليس واجبًا على كلّ بهائيّ فحسب، بل هو أفضل السّبل وأنجعها لكسب تعاطف وإعجاب من كانوا في السّابق أعداء للأمر المبارك أيضًا. إنّ الحب، هو بالطّبع الإكسير الأقوى الذي بإمكانه تحويل أخسّ النّاس وأوضعهم إلى أرواح سماويّة. عسى أن يُسهم المثل الذي تضربينه في تأكيد صحّة هذا المبدأ الجميل في الأمر المبارك.

(من رسالة مؤرخة في 6 كانون الأول/ ديسمبر 1935 موجّهة لإحدى إماء الله)

 [98]

إنّ رسالة حضرة وليّ أمر الله لكم هي أنّ عليكم أن تجاهدوا باستمرار لتعكسوا في حياتكم الخاصّة وفي علاقاتكم الاجتماعيّة أيضًا جمال رسالة حضرة بهاءالله ونقاءها وقوّتها المحيية للنّفوس. على الشّباب البهائيّ اليوم أن يكونوا قدوة لشباب العالم فيعيشوا بالتّالي وفق أسمى معايير السّلوك. فليس من شيء بقادر على التّأثير في العالم الخارجي وجذب اهتمامه الجدّيّ واحترامه أفضل من التّمسّك الوثيق الملموس بأهداب المُثُل والتّعاليم المباركة من قِبَل كلّ شاب وشابّة بهائيّة.

(من رسالة  مؤرخة في 17 آذار/ مارس 1937 لمجموعة من الشباب البهائيّ)

[99]

إنّ ما ذكرته من ظروف صعبة تتعرّض لها عائلتك، وخاصّة بتأثيرها الأكبر على إخوانك وأخواتك، لهو أمر مؤسف حقًّا. وفي الوقت التي تشعر فيه أنّ هناك أمورًا لا تستطيع التّغلّب عليها، عليك ألاّ تفقد كلّ أمل في تحسّن أوضاعك مهما كان ذلك التّحسّن تدريجيًّا. إنّ موقفًا يتّصف بالسّلبيّة التّامة ليس من شأنه إلاّ أن يتسبّب لك بالمزيد من الإحباط. وعليه، فإنّ عليك أن تتحلّى بالشّجاعة والثّقة وتسعى بكلّ مثابرة، ضمن ما تسمح لك إمكاناتك وظروفك، في إصلاح الوضع في عائلتك.

(من رسالة مؤرخة في 20 شباط/ فبراير 1940 موجّهة لأحد الأحبّاء)

[100]

أسف حضرته لعلمه بأنّ… حزينة النّفس. ولا ريب أنّها إذا وجدت عائلتها غير متقبّلة لأمر الله، فيجب ألاّ يغرقها ذلك في الحزن والأسى، ذلك لأنّ النّفوس ليست كلّها مستنيرة روحانيّة. وفي حقيقة الأمر فإنّ كثيرًا من أفراد عائلات الأنبياء أنفسهم ظلّوا في ضلالهم حتّى أمام ما شاهدوه من الحجج والبراهين المقنعة التي أتى بها مظهر أمرالله. وعليه، فإنّ على الأحبّاء ألاّ تحزنهم مثل تلك الأمور، وأن يوكلوا أمر من يحبّونهم إلى الله، وبخدماتهم وإخلاصهم لأمر الله سيفوزون بحقّ الشّفاعة لدى الحقّ في التماس الولادة الرّوحانيّة لهم في النّهاية.

(من رسالة مؤرخة في 9 آذار/ مارس 1942 موجّهة لأحد الأحبّاء)

[101]

إن زواجًا بين روحين مدركين تمامًا لرسالة الله في هذا اليوم، ومكرّسيْن نفسيْهما لخدمة أمره ويعملان لخير البشريّة، يمكنه أن يكون قوّة فاعلة في حياة الآخرين ومثالاً يُحتذى وإلهامًا للبهائيّين وغيرهم.

(من رسالة مؤرخة في 4 آب/ أغسطس 1943 موجّهة لاثنين من الأحبّاء)

[102]

يشعر حضرة وليّ أمر الله بعميق الأسف من الموقف العدائيّ لبعض أفراد عائلتك تجاه الأمر المبارك الذي قمتِ على خدمته، ويرى بأنّ عليك أن تبذلي قصارى جهدكِ لتجنّب معاداتهم، ناهيك عن التّخلي عن إيمانك أو أن تصبح عضوًا غير فاعل فيه.

وحيث أنّك عاجز عن إثارة اهتمامهم بالأمر المبارك فإنّ خير ما تقوم به هو ما نصحَنا به حضرة المولى دومًا في مثل هذه الحالات: دعوهم وشأنهم وادعوا من أجلهم. وكن على يقين بأن حضرة وليّ أمر الله سيدعو أيضًا لاستنارة قلوبهم. فكم من الناس، وبعد عداء شديد للأمر المبارك، فازوا بالإيمان في النّهاية بالصّبر والمحبّة وباللّباقة والدّعاء من قبل قريب أو صديق بهائيّ.

(من رسالة مؤرخة في 14 تشرين الأول/ أكتوبر 1943 موجّهة لأحد الأحبّاء)

[103]

يرى حضرته أنّ عليكِ أن تظهري لزوجك منتهى المحبّة والتّعاطف بكافّة الوسائل والطّرق. وإذا ما ساورنا أدنى شكّ في السّلوك الذي يجب أن نسلكه كبهائيّين، علينا أن نفكّر بحضرة عبدالبهاء وأن ندرس حياته ونسأل أنفسنا ماذا كان سيفعل؟ فهو مَثَلنا الأعلى في كلّ شيء. وأنتِ تعرفين مدى رقّته وكيف كان يغدق محبّته وعطفه على الجميع مثل نور الشّمس.

من حقّ زوجك وطفلك أن يفوزا بحبّك، وهما يمنحانك فرصة رائعة لإثبات مدى إيمانك بالأمر المبارك.

وعليكِ أيضًا أن تبتهلي لحضرة بهاءالله كي يوحّد بينك وبين زوجك ويجعل بيتك بيتًا حقيقيًّا تخيّم عليه السّعادة.

(من رسالة مؤرخة في 9 آذار/ مارس 1949 موجّهة لإحدى إماء الله)

[104]

بخصوص مشاكلكما العائليّة، يرى حضرته بأن عليكما أن تناقشا هذه المسائل مع محفلكما الرّوحاني إذا رغبتما في النّصح، فإنّ إحدى مهام تلك الهيئات الرّوحانيّة إسداء النّصح للأحباء وتقديم يد العون لهم، وهو امتياز لكما أن تتوجّها لمحفلكما.

(من رسالة مؤرخة في 10 نيسان/ أبريل 1947 موجّهة لزوجين بهائيّين)

[105]

لطالما شعر حضرة وليّ أمر الله بأنّ البهائيّين في … لا يعيشون في بعض الحالات وفقًا للمُثُل التي وضعها حضرة بهاءالله للزّواج، فهم ميّالون للتأثر بمواقف النّاس السّائدة التي تنمّ عن الأنانيّة والاستخفاف برباط الزّوجيّة. وعليه، فعندما يرى حضرته أنك نجحتِ في العيش وفقًا للمعايير البهائيّة وتقدّمين أفضل ما عندك وتصونين هذا الرّباط المقدّس بينك وبين زوجك سيكون بالطّبع في غاية السّعادة. ويأمل منكِ أن تكوني في وضع هو قدوة للأخريات. فهو لا يوافق بعض البهائيّات في أسلوبهنّ في التّخلّص من واجباتهنّ تجاه أزواجهنّ بحجّة خدمة الأمر المبارك، أو يبحثن عن أزواج جدد.

(من رسالة مؤرخة في 2 نيسان/ أبريل 1950 موجّهة لإحدى إماء الله)

[106]

سيدعو حضرة وليّ أمر الله كي تصبح والدتك بهائيّة وتقوم على خدمة أمر الله بكلّ نشاط وفاعليّة. عليكِ أن تضعي نصب عينيك أنّ بسلوكك حياة بهائيّة مكرّسة ستتأثّر والدتك على نحو يوازي أو يفوق تأثّرها عن طريق القراءة والدّراسة. فعندما يرى المرء أثر التّعاليم البهائيّة على حياة شخص آخر فغالبًا ما يكون لذلك تأثير كبير.

(من رسالة مؤرخة في 12 تموز/ يوليو 1952 موجّهة لإحدى إماء الله)

 [107]

إن تحقيق طموحاتنا الشّخصية نادرًا ما يجلب لنا السّعادة، بل على العكس، إذ عادة ما يثير مجموعة كاملة من طموحات جديدة. وفي المقابل، عندما ننغمس في واجباتنا كبشر، تجاه عائلاتنا وزملائنا، وكبهائيّين تجاه الأمر المبارك ونخدمه بأفضل ما نستطيع وفق ظروفنا فإنّنا سنبدأ في إدراك معنى السّعادة.

(من رسالة مؤرخة 23 أيار/ مايو 1956 موجّهة لأحد أفراد الأحبّاء)

[108]

سيدعو حضرة وليّ أمر الله لكِ ولأبنائك وزوجك العزيز. والآن وقد اتّحدتم جميعًا في ظلّ الأمر المبارك، وتعملون معًا بسعادة فإنّ البركات الإلهيّة ستشملكم بالتأكيد وستبارك تأييدات الرّوح القدس عملكم. إنّ المغناطيس الذي يجذب الرّوح القدس هو الخدمة في دين الله وخاصّة تبليغ أمره العظيم. سيدعو حضرته كي يصبح كلّ فرد من أفراد عائلتك نجمًا ساطعًا في سماء المشيئة الإلهيّة. إنّ دراسة الكلمة الإلهيّة والتأمّل في معانيها والدّعاء ومن ثمّ العمل هي أمور ضروريّة. وتأتي بعد ذلك المثابرة على العمل. فإذا ما اتُّبِعت هذه الخطوات سيتطوّر الفرد روحانيًّا وسيفوز بالنّصر في خدمة أمر الله.

(من رسالة مؤرخة في 5 حزيران/ يونيو 1956 موجّهة لأحد الأحبّاء)

[109]

عليك أن تخلق في البيت مع عائلتك روحًا من المحبّة البهائيّة بحيث تجلب بها زوجتك وأطفالك بكلّ صدق للأمر المبارك… إنّ وجود الانسجام في المنزل لهو العنصر الأهمّ لأطفالك.

(من رسالة مؤرخة في 18 آب/ أغسطس 1957 موجّهة لأحد الأحبّاء)

[110]

مقتطفات من رسائل كتبها بيت العدل الأعظم أو كتبت بالنّيابة عنه

من أبرز ما على المحفل الروحانيّ المحليّ أن يهتمّ به من أهداف في عمليّة تطوّره نحو النّضج التّامّ هو: التّصرّف كراعٍ محبّ لرعيّته من البهائيّين، وتعزيز الوحدة والوئام بين الأحبّاء، وتوجيه العمل التبليغيّ، وحماية أمرالله، وتنظيم الضّيافات التّسع عشريّة والمناسبات الأمريّة والاجتماعات الدوريّة للجامعة، وتعريف البهائيّين بخططه، ودعوة أفراد الجامعة لتقديم مقترحاتهم، وتعزيز كلّ ما فيه خير وصلاح الشّباب والأطفال، والمشاركة في النّشاطات الإنسانيّة طبقًا للظّروف. وفي علاقته بأفراد الأحبّاء، فإنّ على المحفل الروحانيّ أن يعمل باستمرار على دعوة وتشجيع أفراد الأحبّاء على دراسة الأمر المبارك وتبليغ رسالته المجيدة، والعيش وفق تعاليمه، والتّبرّع بحريّة وبشكل منتظم للصّناديق الأمريّة، والمشاركة في نشاطات الجامعة، واللّجوء للمحفل الروحانيّ طلبًا للنّصح والمساعدة كلّما لزم الأمر.

(من رسالة مؤرخة في 30 تموز/ يوليو 1972 كتبها بيت العدل الأعظم لأحد المحافل الرّوحانيّة المركزيّة)

[111]

كما تعلم جيّدًا، فإنّ حضرة بهاءالله تفضّل قائلاً: ” لعمري إنّ أداء الحقوق حُكْم عظيم. وعلى الكلّ أداؤها فهي منبع الرّخاء والفضل والخير. وهذه عطيّة باقية لكلّ نفس في كلّ عالم من عوالم الله، ربّ الغَناء والكرم” إنّ المؤمن المخلص الذي مُنح شرف أداء حقوق الله وامتيازه، لن يلتمس الأعذار لتجنّب تنفيذ هذا الواجب الرّوحانيّ، بل سيبذل كلّ ما في وسعه للإيفاء به. ومن ناحية أخرى، وبقدر ما تعتبر إطاعة هذا الحكم مسألة ترجع لضمير الفرد وأنّ أداء الحقوق عمل طوعيّ، فإنّه ليس من اللائق القيام بأكثر من إعلام الأحبّاء في … بواجبهم المقدّس وتركهم يقرّرون بأنفسهم ما الذي يرغبون القيام به بهذا الخصوص.

والمبدأ نفسه ينطبق على أولئك الأحبّاء الذين يسرفون في الإنفاق على عائلاتهم، ويشترون أو يبنون منازل ويؤثثونها بما يفوق حاجاتهم بكثير، ويعتبرون هذه المصاريف مصاريف منطقيّة معقولة رغبة منهم في تجنب أداء حقوق الله.

(من رسالة مؤرخة في 26 شباط/ فبراير 1973 كتبها بيت العدل الأعظم لأحد الأحبّاء)

[112]

إنّ التّعليم المناسب للأطفال هو أمر في غاية الأهميّة لتقدّم الجنس البشريّ، وإن لبّ كلّ أنواع التّعليم وأساسها الجوهريّ هو التّربية الروحانيّة والأخلاقيّة. عندما نبلّغ إخواننا في البشريّة حقائق الأمر المبارك وأسلوب الحياة في الدّين البهائيّ فإنّ علينا أن نجاهد في تخطّي حواجز من اللاّمبالاة، والماديّة، والخرافات، وكمٍّ هائل من أفكار خاطئة مكوّنة مسبقًا. أمّا الأطفال حديثي الولادة فإنّ أرواحهم طاهرة لم تتلوّث بشؤون الدّنيا، ومع نموّهم سيواجهون امتحانات وصعوبات لا عدّ لها. فعلينا منذ تفتّحهم للحياة واجب تربيتهم روحيًّا وماديًّا وفق الطّريقة التي بيّنها لنا الله، ليصبحوا بالتّالي، عند بلوغهم سنّ الرّشد، أبطالاً في أمره المبارك وعمالقة روحانيّين وأخلاقيّين بين أفراد الجنس البشريّ وعلى استعداد لمواجهة كافّة الامتحانات، وسيكونون بالطّبع “أنجم سماء العرفان” و”المياه الجارية التي تتعلّق بها حياة كلّ البشر”.

(من رسالة مؤرخة في 31 آب/أغسطس 1976 كتبها بيت العدل الأعظم إلى كافة المحافل الرّوحانيّة المركزيّة)

[113]

مع ملاحظة أنّكِ وزوجكِ قد تشاورتما مع محفلكما الروحانيّ في مشاكلكما العائليّة دون أن تتلقّيا منه أيّة نصيحة، كما تشاورتما حول وضعكما مع مستشار في الشّؤون العائليّة دون أي نجاح أيضًا، فإنّ بيت العدل الأعظم يرى أهمية إدراكك أنت وزوجك أنّ الزّواج يمكن أن يكون مصدر خير لكما وباعثًا على الشّعور بالأمان والسّعادة الرّوحيّة. إلا أنّ هذا ليس أمرًا يأتي من فراغ. فلكيّ يصبح الزّواج مصدرًا للاطمئنان لا بدّ من تعاون شركاء الزّواج أنفسهم ومساعدة عائلاتهم لهم.

(من رسالة مؤرّخة 24 حزيران/يونيو 1979 كتبت بالنّيابة عن بيت العدل الأعظم موجّهة لأحد الأحبّاء)

[114]

إنّ المفهوم البهائيّ لدور المرأة في المجتمع مفهوم فريد. فخلافًا للميول السّائدة حاليًّا نحو التّقليل من أهميّة الأمومة، فإنّ الأمر المبارك يؤكّد أنّ هذا الدّور يُعدّ مسؤوليّة سامية وعلى درجة كبيرة من الأهميّة في التّطور السّليم للجيل الجديد، وبالتّالي في خلق مدنيّة دائمة التّطور والحفاظ عليها. إنّ إناطة المهمّة الإنسانيّة في تربية الأطفال بالأم تأتي مباشرة من حقيقة كونها هي التي تحمل الطّفل في رحمها. فموقفها وسلوكها، ودعاؤها ومناجاتها، وحتّى ما تأكله وحالتها الجسديّة لها تأثيرها البالغ على الطّفل وهو لا يزال في رحمها…

ومع ذلك فإنّ التّعاليم البهائيّة لا تدعو المرأة أن تبقى حبيسة المنزل ولا تطلب منها أن تنشغل فقط في المهام المنزليّة. هناك إشارة للدّور المقدّر للمرأة في الدّور البهائيّ نجده فيما تفضّل به حضرة عبدالبهاء بأن “على النساء أن يتقدمن ويؤدين مهماتهن في كافّة مناحي الحياة، ليصبحن مساويات للرّجال.”

وإنّ النّساء يتقدّمن في دورة حضرة بهاءالله جنبًا إلى جنب مع الرّجال. فليس هناك من مجال أو حالة يمكن لهنّ أن يتخلّفن فيها عنهم، فلهنّ حقوق مساوية للرّجال وسيدخلن مستقبلاً كافة فروع إدارة المجتمع. وسيكون سموّهنّ على شأن يرتقين إلى أرفع المستويات في العالم الإنسانيّ في كافة المناحي والمساعي. فاطمئنوا ولا تنظروا لوضعهنّ الحالي، ففي المستقبل سيشعّ عالم النّساء بضياء لامع. فهذا هو هدف حضرة بهاءالله ومشيئته.

(من رسالة مؤرخة في 4 آب/ أغسطس 1992 كتبت بالنّيابة عن بيت العدل الأعظم موجّهة لأحد الأحبّاء)

[115]

… إنّ تعاليم الأمر المبارك واضحة تمامًا حول ضرورة إيلاء الاهتمام بتربية الأطفال وتعزيز الحياة العائليّة. فالمشكلة التي أثرتِ الانتباه إليها تنجم عندما يرى الأحبّاء أنفسهم أمام نداءات ملحّة تدعوهم إلى مدّ يد المساعدة في نشر الأمر المبارك، في النّشاطات الإدارية للجامعة البهائيّة، وفي أعمال التعمّق والاستحكام. إنّ التّحدي الماثل أمامهم يكمن في قرارهم كيف يستجيبون لهذه النّداءات دون إغفال مسؤوليّاتهم تجاه أطفالهم وتجاه باقي أفراد أسرتهم، آخذين بعين الاعتبار محدوديّة الوقت والطّاقات والموارد التي تواجه جميع البهائيّين.

ليس هناك من أسلوب سليم وحيد لمواجهة هذا التّحدي، ذلك لأن ظروف الأفراد مختلفة تمامًا، ومع ذلك فإنّه من الواضح أن على البهائيّين السعي نحو تحقيق التّوازن على نحو يأخذ بالاعتبار الاحتياجات المنطقيّة للأطفال والعائلة واحتياجات الجامعة البهائيّة ونموّها. ومع نموّ العائلة وتطوّرها يجب بذل جهد واع لجلب كافّة أفرادها نحو خدمة الأمر المبارك على نحو يصبح فيه الأطفال جزءًا منه، فلا يبدون استياءهم من انخراط الوالدين فيه. ويأتي ذلك في عمليّة من التّشجيع والتّنشئة وتحفيز أفراد العائلة والتي يغذّيها جوّ المشورة العائليّة السّليمة.

(من رسالة مؤرخة في 20 أيلول/سبتمبر 1992 كتبت بالنّيابة عن بيت العدل الأعظم موجّهة لأحد الأحبّاء)

[116]

إنّ أسئلتك جميعها خاصّة بموضوع حيويّ يتعلّق بالتربية البهائيّة للأطفال. إنّ بيت العدل الأعظم يعتبره أمرًا في غاية الأهميّة أن يسعى الآباء البهائيّون جاهدين لمساعدة أبنائهم ليقوموا بدراسة منهجيّة مستدامة للتّعاليم البهائيّة، وأن يضفوا الرّوحانيّة على حياتهم، وأن يشكّلوا شخصيّتهم وفقًا للمعايير والأسس التي وضعها حضرة بهاءالله. إنّ نجاح الوالديْن في الإيفاء بهذه الواجبات الحيويّة سيقلّل من مخاطر وقوع أبنائهم فريسة للقوى الهدّامة التي هي سمة مميّزة لنظام اجتماعي آخذ بالانحطاط وبحاجة ماسّة للبعث الرّوحانيّ، وسيجنّبهم الحرمان من ألطاف ورحمة حضرة بهاءالله الشّافية.

(من رسالة مؤرخة في 2 تموز/ يوليو كتبت بالنّيابة عن بيت العدل الأعظم موجّهة لأحد الأحبّاء)

[117]

إنّ حماية الأولاد من تأثير التّيارات اللاأخلاقيّة لمجتمع اليوم تعتبر واحدة من أكبر التحديات التي تواجه الآباء البهائيّين. إنّا نتعاطف معكما حيال ما تشعران به من قلق تجاه ما لوسائل الإعلام، وخاصة البرامج التلفزيونية، من تأثير سيّئ على الأطفال. وكما تعلمان جيّدًا فإنّه ليس هناك من أسلوب عمليّ بمقدوره أن يحمي الأطفال كلّيًّا من المشاكل الأخلاقيّة في المجتمع الذي يترعرعون فيه. وبالتّالي يجب على الوالديْن بذْل ما في وسعهم للتّأكّد من تلقّي أطفالهم تربية روحانيّة منذ نعومة أظفارهم، وذلك من خلال دروس الأخلاق البهائيّة التي ترعاها مؤسّسات الأمر المبارك والتّوجيه الأخلاقي والقدوة الحسنة في المنزل.

وحيث أنّه يستحيل على الأطفال البهائيّين تجنّب مشاهدة السلوك اللاّأخلاقي، فيغدو من الأهميّة بمكان استغلال ما يمكن أن يتعرّض له الأطفال من مشاهد وسلوكيّات عبر وسائل الإعلام وفي الحياة اليوميّة، بكلّ حكمة من قبل الوالدين كوسيلة لهدايتهم ومساعدتهم على تقدير الفائدة العمليّة والرّوحانيّة للتميّز. أمّا بالنسبة لمدى سعيكما في التّقليل من تعرض أولادكما لمثل تلك التأثيرات فهي متروكة لحكمتكما في ضوء التّعاليم المباركة.

(من رسالة مؤرخة في 4 أيلول/سبتمبر 2001 كتبت بالنّيابة عن بيت العدل الأعظم موجّهة لزوجين بهائيّين)

[118]

لقد تأثّر بيت العدل الأعظم لدى علمه بمدى محبّتك للجمال المبارك ورغبتك الخالصة في خدمة أمره ونيل رضائه. هناك طرق عدّة لخدمة أمرالله، وعلى كلّ شخص أن يختار أفضل ما يمكنه القيام به ضمن طاقاته وإمكاناته. إنّ الفرص لخدمة الأمر المبارك لا تمنع الفرد بالضّرورة من تقديم المساعدة لأفراد عائلته، فمن المهمّ ملاحظة أنّ كلّ أوجه حياة الفرد إنّما هي مجال لخدمة حضرة بهاءالله: فالحبّ والاحترام الذي يكنّه الشّخص لوالديه، وسعيه في التّحصيل العلمي، وعنايته بصحّته، واقترافه مهنة أو تجارة، وسلوكه نحو الآخرين وتمسّكه بمعايير أخلاقيّة سامية، وزواجه وتنشئة الأطفال، ونشاطاته في تبليغ الأمر المبارك وفي بناء قوّة الجامعة البهائيّة، وبالطّبع دعاؤه اليوميّ ودراسته للكتابات البهائيّة المباركة، كلّ ذلك يُعدّ خدمة لأمره المبارك.

(من رسالة مؤرخة في 22 أيلول/ سبتمبر 2002 كتبت بالنّيابة  عن بيت العدل الأعظم موجّهة لأحدالأحبّاء)

                                                                                                       [119]

بخصوص سؤالك ما إذا كان يتوجّب عليك الحصول على موافقة والديْك على الزّواج، فإنّ هناك حالات محدّدة نادرة يمكن فيها اعتبار هذا المطلب متعذّر التّطبيق إذا كان أحدهما أو كليهما: في حالة الوفاة، إذا كان غير سليم عقليًّا وغير قادر على اتّخاذ قرار بنظر القانون، إذا كان مجهول الإقامة، إذا تبرّأ أو تخلّى رسميًّا عن مسؤوليّته تجاه ابنه او ابنته، إذا أساء معاملة طفله بشكل خطير. ويجب الرّجوع في الحالتين الأخيرتين إلى بيت العدل الأعظم نظرًا لشيوعهما من أجل دراسة كلّ حالة واتّخاذ القرار المناسب بشأنها.

(من رسالة مؤرخة في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2006 كتبت بالنّيابة عن بيت العدل الأعظم موجّهة لأحد الأحبّاء) [120]

ينتابك القلق من تطبيق هذا المبدأ[7] فيما يتعلّق بتربية الأطفال والشّباب وتسأل عمّا إذا كان من المقبول أن يختار طفلك ألاّ يكون بهائيًّا. إنّ الطّريق إلى فهم الهدف من تحرّي الحقيقة في هذا السّياق هي إدراك عدالة ترك الحريّة للأفراد ليقرّروا بأنفسهم ما الذي سيؤمنون به اعتمادًا على بحثهم الخاصّ وقناعاتهم الدّاخلية، وعدم فرض أيّ إلزام عليهم بالقبول التّلقائي بما يؤمن به والداهم أو الآخرون. ويعني هذا أيضًا أنّ على الفرد البالغ مسؤوليّة تقرير عقيدته التي سيعتنقها. إنّ الأولاد الذين نشأوا وتربّوا في كنف والدين بهائيّين وعلى معرفة الأمر المبارك، سيدركون، بفضل ما تلقّوه من نصائح وتوجيهات، أنّ عليهم أن يتحمّلوا تلك المسؤوليّة تجاه أنفسهم. وقد جرى توضيح هذه النّقطة في توجيه حضرة شوقي أفندي الذي ورد في رسالة كتبت بالنّيابة عنه لمحفل روحاني مركزي: “بمجرّد أن يبلغ الطّفل البلوغ، يجب أن يُعطى كامل الحريّة في اختيار دينه دون اعتبارٍ لرغبات والديه وأمانيهما.”

ومع ذلك فإنّ الأطفال بحاجة للتّربية الأخلاقيّة منذ نعومة أظفارهم لتمكينهم على الأقلّ من التطوّر على نحو جيّد في تفاعلهم مع الآخرين. بإمكاننا أن نجد أساسًا مشتركًا للتّربية الأخلاقيّة في كافّة الكتب السماويّة. وإنّه من المناسب وفي الحقيقة من الضّروري أن يلتزم الآباء البهائيّون بمبادئهم في توجيه أولادهم كي يصبحوا أشخاصًا روحانيّين وأعضاء بارزين جديرين بالاحترام في المجتمع. فقد فرض حضرة بهاءالله على كلّ فرد من أتباعه واجب تبليغ أمره، واصفًا إيّاه بأفضل الأعمال. فمع علمنا بهذا، سيبدو غريبًا حقًّا أن تحجب أمّ بهائيّة عن ابنها ما تبلّغه للآخرين حول أحدث رسالة سماويّة من الله. وعلاوة على ذلك، فقد فرض على الوالدين تقديم التّوجيه الروحانيّ لأطفالهما منذ الصّغر شريطة ألا يُفضي ذلك إلى التّعصّب.

وإذا ما تُرك الأطفال وشأنهم بالكلّية كي يتبيّنوا طريقهم في الحياة، فإنّهم سيواجهون مستقبلاً مظلمًا، وهو ما يبرهنه بكلّ وضوح وضع الشّباب الباعث على الأسى في مجتمع اليوم. ومن بين الأمور التي يجب غرسها في الأطفال بهدف إعدادهم للمستقبل، فضيلة العدل، والتي تؤكّد على أهميّة أن يشاهد الإنسان الأشياء بعينه وأن يعرفها بمعرفته – وبعبارة أخرى أهميّة تحرّي الحقيقة. ودون وجود شكل من أشكال التّربية أو التّوجيه فليس بإمكان الفرد تحرّي الحقيقة، كما هو الحال بالنّسبة  للعالِم الذي سيجد صعوبة بالغة في اكتشاف حقيقة المادة دون الاستعداد لذلك بشيء من الممارسة. إنّ موقف الأمر المبارك المنفتح نحو التّعلم يجب أن يكون باعثًا على الثّقة لدى الأحبّاء بأنهم قد منحوا القدرة على تطوير عقول باحثة. وكلّما ازدادوا دراسةً لتعاليم الأمر المبارك كلّما نمت قدرتهم وبرزت للوجود.

(من رسالة مؤرخة في 31 تموز/ يوليو 2007 كتبت بالنّيابة  عن بيت العدل الأعظم موجّهة لأحد الأحبّاء)

[121]

 

 

 

1 سأل المؤمن عن مرجع البيان المتعلّق بـِ “طاعة الزوجة ومراعاة زوجها” في نصّ اللوح المبارك التالي لحضرة عبد البهاء:

وأنتن يا إماءالله، اجهدن واسعين حتّى تفزن بما هو شرف ومنقبة النّساء. ولا شُبهة أنّ المفخرة العظمى للنّساء هي في عبوديّة عتبة الكبرياء، والعبوديّة تستلزم يقظة القلب، والشّهادة بوحدانيّة الله وفردانيّته، والمحبّة الخالصة لجميع إمائه، والعصمة والعفّة اللامتناهية، وإطاعة ورعاية الأزواج، والاهتمام بتربية الأطفال ورعايتهم، والسّكون ورباطة الجأش والوقار، ودوام ذكر الله وعبادته ليل نهار، والثّبوت والرّسوخ في أمر الله وعهده، وغاية الاشتعال والانجذاب. ندعو الحقّ أن يوفّق الجميع على الفوز بهذه المواهب.

(مترجم عن الفارسيّة، “منتخباتي أز مكاتيب حضرت عبدالبهاء، ج1، ص 146)

*     ملحوظة: قد يكون المُخاطب في الرسالة ذكرًا أو أنثى حيث أنّ نص الرسالة لا يساعد في تحديد الجنس. (المترجم)

2  استفسر المؤمن عن القرارات التي يجب أن يتّخذها شريكي الزواج عندما يسعى الزوجان كلاهما وراء الفرص لحياتهما المهنيّة والتي يبدو أنّها تقودهما إلى طريقين متباعدين.

3 متن اللوح المبارك هو التالي:

فليكن زوجك غاليًا وعزيزًا لديك، وعامليه دائمًا باللّطف والمودّة مهما كان سيّء الطباع. وحتّى لو زادت محبّتك وعطفك من قسوته، فاظهري له المزيد من الحنان والرقّة، وكوني أكثر محبّة وتحمّلي تصرّفاته المزعجة والمسيئة.

[4] الرسالة الواردة لحضرة ولي أمرالله تتضمن ما يلي:

أثيرت مسألة أخرى تتعلّق بتربية الأطفال، القليل منّا والذين ينتظرون ميلاد أطفال لهم، يفكّرون سلفًا بوضع أولادنا الأكبر سنًّا (من سنتين ونصف إلى ثلاث سنوات) في حضانة… وهي مدرسة ممتازة معروفة في جميع أنحاء البلاد لأساليبها الرّائعة في توجيه الأطفال، حيث شعرنا بأنّنا سنكون والدين غير مناسبين لعدّة أشهر، ولأنّه لا يوجد في جوارنا أطفال من عمر أولادنا للعب معهم. ولكن يبدو أنّ العائق الكبير هو، وفقًا للآثار المباركة، أنّ الأم هي المربّي الأول للطّفل إلى أن يبلغ السادسة أو السّابعة من عمره. وبالطّبع فإنّنا نرغب في القيام بما هو الأفضل، شاكرين مساعدتكم.

[5]  ترجمة بيان حضرة عبدالبهاء عن الفارسيّة كما يلي: “التّعليم والتّهذيب  بعد البلوغ أمر صعب للغاية”

( منتخباتي أز آثار حضرة عبدالبهاء، فقرة 111)

 [6]  بخصوص موافقة الوالدين

[7] مبدأ تحرّي الحقيقة

أضف تعليق