تأثير و نفوذ الكلمة الألهية من النصوص البهائية

تأثير الكلمة الألهية

لوح مقصود

لاَ تَظْهَرُ حِكْمَةُ حَكِيمٍ إِلاَّ بِالْبَيَانِ.  وَهَذَا هُوَ مَقَامُ الْكَلِمَةِ الَّتِي جَاءَ ذِكْرُهَا فِي الْكُتُبِ مِنْ قُبْلُ وَمِنْ بَعْدُ.  لأَنَّ الْعَالَمَ بِأَسْرِهِ بَلَغِ بِالْكَلِمَةِ وَرُوحِهَا إِلَى الْمَقَامَاتِ الْعَالِيَةِ.  وَعَلَى الْبَيَانِ وَالْكَلِمَةِ أَنْ يَكُونَا مُؤَثِّرَيْنِ وَكَذَلِكَ نَافِذَيْنِ.  وَسَيَتَّصِفَانِ

بِالأَثَرِ وَالنُّفُوذِ إِنْ أُلْقِيَا للهِ وَمُرَاعَاةً لِمُقْتَضَيَاتِ الظُّرُوفِ وَالنُّفُوسِ.

          تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: إِنَّ الْبَيَانَ جَوْهَرٌ يَطْلُبُ النُّفُوذَ وَالاعْتِدَالَ.  أَمَّا النُّفُوذُ مُعَلَّقٌ بِاللَّطَافَةِ وَاللَّطَافَةُ مَنُوطَةٌ بِالْقُلُوبِ الْفَارِغَةِ الصَّافِيَةِ.  وَأَمَّا الاعْتِدَالُ امْتِزَاجُهُ بِالْحِكْمَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الأَلْوَاحِ.

          لِكُلِّ كَلِمَةٍ رُوحٌ لِذَا عَلَى الْمُتَكَلِّمِ وَعَلَى الْمُبَيِّنِ مُرَاعَاةُ ظُرُوفِ الزَّمَانِ وِالْمَكَانِ فِي إِلْقَاءِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ.  حَيْثُ إِنَّ لِكُلِّ كَلِمَةٍ أَثَرَهَا الْمَوْجُودَ الْمَشْهُودَ.

          تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: كَلِمَةٌ هِيَ بِمَثَابَةِ النَّارِ وَأُخْرَى بِمَثَابَةِ النُّورِ وَأَثَرُ كِلْتَيْهِمَا ظَاهِرٌ فِي الْعَالَمِ.  لِذَا عَلَى الْحَكِيمِ الْعَارِفِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِكَلِمَةٍ تَكُونُ لِهَا خَاصِيَّةُ اللَّبَنِ حَتَّى يَتَرَبَّى بِهَا أَطْفَالُ الدَّهْرِ وَيَفُوزُوا بِالْغَايَةِ الْقُصْوَى مِنَ الْوُجُودِ الإِنْسَانِيِّ الَّتِي هِيَ مَقَامُ النُّبْلِ وَالإِدْرَاكِ.  وَكَذَلِكَ يَقُولُ: كَلِمَةٌ هِيَ بِمَثَابَةِ الرَّبِيعِ تَخْضَرُّ أَغْرَاسُ بُسْتَانِ الْمَعْرِفَةِ وَتَنْتَعِشُ وَكَلِمَةٌ أُخْرَى كَالسُّمُومِ.

          عَلَى الْحَكِيمِ الْعَارِفِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَمَالِ الْمُدَاراةِ كَيْ يَفُوزَ الْكُلُّ مِنْ حَلاوَةِ الْبَيَانِ بِمَا يَنْبَغِي لِلإِنْسَانِ.  يَا حَبِيبِيْ

إِنَّ الْكَلِمَةَ الإِلَهِيَّةَ هِيَ سُلْطَانُ الْكَلِمَاتِ وَنُفُوذُهَا لا يُحْصَى.

          تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: الْكَلِمَةُ كَانَتْ وَلَمْ تَزَلْ تُسَخِّرُ الْعَالَمَ.  إِنَّهَا الْمِفْتَاحُ الأَعْظَمُ فِي الْكَوْنِ لأَنَّ أَبْوَابَ الْقُلُوبِ الَّتِي هِيَ حَقَّاً أَبْوَابُ السَّمَاءِ قَدْ فُتِحَتْ بِهَا.  إِنَّ وَمِيضَاً مِنْ تَجَلِّيَاتِهَا أَشْرَقَ عَلَى مِرْآةِ الْحُبِّ فَانْطَبَعَتْ فِيهَا كَلِمَةُ “أَنَا الْمَحْبُوبُ” الْمُبَارَكَةُ.  إِنَّهَا بَحْرٌ زَاخِرٌ وَجَامِعٌ مِنْهَا يَظْهَرُ كُلُّ الْمُدْرَكَاتِ.  تَعَالَى تَعَالَى هَذَا الْمَقَامُ الأَعْلَى الَّذِي كَيْنُونَةُ الْعُلُوِّ وَالسُّمُوِّ تَمْشِي عَنْ وَرَائِهِ مُهَلِّلاً مُكَبِّرَاً.

آثار قلم  اعلى

و‌ لو يرى اليوم لحکمآء العصر يد طولی فى الحکمة و الصّنآئع و لکنّ لو ينظر احد بعين البصيرة ليعلم انّهم اخذوا اکثرها من حکمآء القبل و‌ هم الّذين اسّسوا اساس الحکمة و مهّدوا بنيانها‌‌و‌شيّدوا ارکانها کذلک ينبئک ربّک القديم. و القدمآء اخذوا العلوم من الانبيآء لانّهم کانوا مطالع الحکمة الالهيّة و مظاهر الاسرار الرّبانيّة من النّاس من فاز بزلال سلسال بياناتهم و منهم من شرب ثمالة الکأس لکلّ نصيب علی مقداره انّه لهو العادل الحکيم. انّ ابيدقليس الّذى اشتهر فى الحکمة کان فى زمن داود و‌ فيثاغورس فى زمن سليمان بن داود و‌ اخذا الحکمة من معدن النّبوة و هو الّذى ظنّ انّه سمع حفيف الفلک و بلغ مقام الملک انّ ربّک يفصّل کلّ امر اذا شآء انّه لهو العليم المحيط. انّ اسّ الحکمة و اصلها من الانبيآء و‌ اختلفت معانيها و اسرارها بين القوم باختلافات الانظار و العقول. انّا نذکر لک نبأ يوم تکلّم فيه احد من الانبيآء بين الورى بما علّمه شديد القوى انّ ربّک لهو الملهم العزيز المنيع. فلمّا انفجرت ينابيع الحکمة و البيان من منبع بيانه و اخذ سکر خمر العرفان من فى فنآئه قال الان قد ملأ الرّوح من النّاس من اخذ هذا القول و وجد منه علی زعمه رآئحة الحلول و الدّخول و‌ استدلّ فى ذلک ببيانات شتّى و اتّبعه حزب من النّاس لو‌انّا نذکر اسمآئهم فى هذا المقام و‌ نفصّل لک ليطول الکلام و‌ نبعد عن المرام انّ ربّک لهو الحکيم العّلام.

قل انّ الفلاسفة ما انکروا القديم بل مات اکثرهم فى حسرة عرفانه کما شهد بذلک بعضهم انّ ربّک لهو المخبر الخبير. انّ بقراط الطّبيب کان من کبار الفلاسفة و‌ اعترف باللّه و‌ سلطانه و بعده سقراط انّه کان حکيماً فاضلاً زاهداً اشتغل بالرّياضة و نهى النّفس عن الهوى و اعرض عن ملاذّ الدّنيا و اعتزل الی الجبل و اقام فى غار و منع النّاس عن عبادة الاوثان و علّمهم سبيل الرّحمن الی ان ثارت عليه الجهّال و‌ اخذوه و‌ قتلوه فى السّجن کذلک يقصّ لک هذا القلم السريع. ما احدّ بصر هذا الرّجل فى الفلسفة انّه سيّد الفلاسفة کلّها قد کان علی جانب عظيم من الحکمة نشهد انّه من فوارس مضمارها و اخصّ القآئمين لخدمتها و‌ له يد طولی فى العلوم المشهودة بين القوم و‌ ما هو المستور عنهم کانّه فاز بجرعة اذ فاض البحر الأعظم بهذا الکوثر المنير. هو الّذى اطّلع علی الطّبيعة المخصوصة المعتدلة الموصوفة بالغلبة و انّها اشبه الاشيآء بالرّوح الأنسانى قد اخرجها من الجَسَدِ الجوّانى و‌ له بيان مخصوص فى هذا البنيان المرصوص. لو تسئل اليوم حکمآء العصر عمّا ذکره لترى عجزهم عن ادراکه انّ ربّک يقول الحقّ و لکنّ النّاس اکثرهم لا يفقهون. و بعده افلاطون الألهى انّه کان تلميذاً لسقراط المذکور و جلس علی کرسىّ الحکمة بعده و اقرّ باللّه و ‌آياته المهيمنة علی ما کان و ما يکون. و بعده من سمّى بارسطوطاليس الحکيم المشهور و هو الّذى استنبط القوّة البخاريّة و هؤلآء من صناديد القوم و کبرآئهم کلّهم اقرّوا و‌ اعترفوا بالقديم الّذى فى قبضته زمام العلوم. ثمّ اذکر لک ما تکلّم به بلينوس الّذى عرف ما ذکره ابوالحکمة من اسرار الخليقة فى الواحه الزبرجديّة ليوقن الکلّ بما بيّناه لک فى هذا اللّوح المشهود. الّذى لو يُعصَرُ بايادى العدل و العرفان ليجرى منه روح الحيوان لاحيآء من فى الامکان طوبى لمن يسبح فى هذا البحر و يسبّح ربّه العريز المحبوب. قد تضوّعت نفحات الوحى من آيات ربّک علی شأن لا ينکرها الّا من کان محروماً عن السّمع و البصر و الفؤاد و‌ عن کلّ الشّؤنات الانسانيّة انّ ربّک يشهد و لکنّ النّاس لا يعرفون. و هو الّذى يقول انا بلينوس الحکيم صاحب العجآئب و الطّلسمات و انتشر منه من الفنون و العلوم ما لا انتشر من غيره و‌ قد ارتقى اعلى مراقى الخضوع و الابتهال. اسمع ما قال فى مناجاته مع الغنىّ المتعال اقوم بين يدى ربّى فاذکر الآئه و نعمآئه و‌ اصفه بما وصف به نفسه لان اکون رحمة و هدى لمن يقبل قولی الی ان قال يا ربّ انت الاله و لا اله غيرک و انت الخالق و لا خالق غيرک ايّدنى و قوّنى فقد رجف قلبى و‌ اضطربت مفاصلی و ذهب عقلی و‌ انقطعت فکرتى فاعطنى القوّة و‌ انطق لسانى حتّى اتکلّم بالحکمة الی ان قال انّک انت العليم الحکيم القديم الرّحيم.

. قل يا ملأ الارض ايّاکم ان يمنعکم ذکر الحکمة عن مطلعها و‌ مشرقها تمسّکوا بربّکم المعلّم الحکيم. انّا قدّرنا لکلّ ارض نصيباً و لکلّ ساعة قسمة و لکلّ بيان زماناً و‌ لکلّ حالٍ مقالاً. فانظروا اليونان انّا جعلناها کرسّى الحکمة فى برهةٍ طويلة فلمّا جآء اجلها ثلّ عرشها و‌ کلّ لسانها و خبت مصابيحها و نکست اعلامها کذلک ناخذ و نعطى انّ ربّک لهو الاخذ المعطى المقتدر القدير. قد اودعنا شمس المعارف فى کلّ ارضٍ اذا جآء الميقات تشرق من افقها امراً من لدى ‌الله العليم الحکيم. انّا لو نريد ان نذکر لک کلّ قطعةٍ من قطعات الارض و‌ ما و لج فيها و‌ ظهر منها لنقدر انّ ربّک احاط علمه السّموات و الارضين. ثمّ اعلم قد‌ظهر من القدمآء ما‌لم يظهر من الحکمآء المعاصرين.  انّا نذکر لک نبأ مورطس انّه کان من الحکمآء و صنع آلة تسمع علی ستّين ميلاً و کذلک ظهر من غيره ما لا‌تراه فى هذا الزّمان انّ ربّک يظهر فى کلّ قرن ما اراد حکمة من عنده انّه لهو المدّبر الحکيم. من کان فيلسوفاً حقيقّياً ما انکر اللّه و برهانه و‌ اقرّ بعظمته و‌ سلطانه المهيمن علی العالمين. انّا نحبّ الحکمآء الّذين ظهر منهم ما انتفع به النّاس و‌ ايّدناهم بامرٍ من عندنا انّا کنّا قادرين. ايّاکم يا احبّآئى ان تنکروا فضل عبادى الحکمآء الّذين جعلهم اللّه مطالع اسمه الصّانع بين العالمين. افرغوا جهدکم ليظهر منکم الصّنآئع و الامور الّتى بها ينتفع کلّ صغيرٍ و کبيرٍ. انّا نتبرّء عن کلّ جاهل ظنّ بانّ الحکمة هو التّکلّم بالهوى و الاعراض عن اللّه مولی الورى کما تسمع اليوم من بعض الغافلين.  قل اوّل الحکمة و اصلها هو الاقرار بما بيّنه اللّه لّان به استحکم بنيان السّياسة الّتى کانت درع الحفظ لبدن العالم تفکّروا لتعرفوا ما نطق به قلمى الاعلی فى هذا اللّوح البديع. قل کلّ امرٍ سياسىّ انتم تتکلّمون به کان تحت کلمة من الکلمات الّتى نزّلت من جبروت بيانه العزيز المنيع. کذلک قصصنا لک ما يفرح به قلبک و‌ تقّر عينک و‌ تقوم علی خدمة الامر بين العالمين. نبيلی لا تحزن من شىء افرح بذکرى ايّاک و اقبالی و‌ توجّهى اليک و‌ تکلّمى معک بهذا الخطاب المبرم المتين.

أضف تعليق