قال تعالى فى القران الكريم : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً }البقرة143
ولكن ما معنى كلمة او اصطلاح الشهادة هنا فى تلك الاية وما معنى ان تكون الامة الاسلامية شهيدة على الناس ويكون الرسول شهيد عليهم
اذن الشهادة هنا تعنى الاقرار بما جاء فى كتاب الله من اوامر واحكام فلا نكتم الشهادة وعدم تحريف المعانى والمقاصد والمفاهيم الالهية المراد من اوامر الله ونواهيه لنشترى بتحريف تلك الايات ثمنا قليلا من متاع الدنيا وزخرفها ورضا الناس والعامة واشعال حماسة الاتباع والسلطان وقطع ما امر الله به ان يوصل بين وحدة الاديان السماوية وطمس جوهر رسله ورسالات وقد حكم الله بان من يفعل ذلك ” فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ” , وايضا ” أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ”
ولفظة وسط تفيد بين سابق ولاحق ولم تعنى باى حال ان الامة الاسلامية جاءت وسطية فى مكارم الاخلاق وعدم الغلو فى الدين والتدين كما حاول البعض تفسيرها0
وفى حديث صحيح للرسول الكريم صلوات الله عليه وسلامة يؤكد وسطية الامة الاسلامية بين الامم يقول : ” القران فيه خبر من قبلكم وحكم ما بينكم ونبأ من بعدكم “
ويوثق القران الكريم هذا الحديث الشريف فيقول تعالى :
وايات كثيرة تحكى نفس المعنى بنفس الكلمات كما فى سورة ابراهيم ايه 9 مثلا
وتعالوا حضراتكم نتأمل ونتدبر هذا الحديث الشريف وما جاء فى القران الكريم عن تاريخ تلك الامم السابقة الى توالت اليهم رسالات الله حاملة لهم الهداية والبشارة 0
وانا اتمنى من حضراتكم ان تتأملوا فى سكون وفى تمعن تلك الاية الشريفة وقد امرنا الله فى القران ان نتدبر اياتة بمعنى ان نتفهم المراد والقصد من ايات الله 0فاذا كان الاسلام هو اخر الرسالات الالهية ولن يحدث للمسلمين المؤمنين بالقران ما حدث للاقوام السابقة من تكذيب للرسل لانه كما يعتقدون انه لا رسول بعد سيدنا محمد فلماذا طلب الله منهم فى القران ان يسيروا فى الارض لينظروا عاقبة المكذبين وسيقول البعض انها عظة وعبرة 0 نعم هى عظة وعبرة ولكن ما اثر هذه العبر اذا لم تكن تخويف وترهيب من ذات المصير مصير الاولين البائس0
فما ارسل الله رسولا لقوم الا كانوا به يستهزئون ويكذبون وكأنها سنة من سنن الخلق او الخلق الانسانى0
والانكى والادهى انهم اجمعوا على حربهم للرسل واستمرأوا قتلهم وتكذيبهم وهنا كان لا بد من العقاب والجزاء الصارم لما اكتسبت ايدهم فدمر الله جمعهم وبدد شملهم0
والمعنى المتبادر الى الذهن ان هناك امما سابقة جاء خبرها فى القران الكريم واوضح الله اثارها وما جرى عليها عندما رفضت واستكبرت على الله وعلى رسلة فحاق بهم سوء العذاب0
هذا ما كان من خبر من قبلنا فماذا عن نبأ الذين من بعدنا أى بعد المسلمين ؟
جاءت وتوالت انذارات الله الينا فى ايات القران بالبشارات والوعدود والانذارات تماما كما جاءت لمن قبلنا مهددة منذرة فقال تعالى فى ايات بديعة مذكرا ومحذرا الناس والمؤمنين فى منتهى الصراحة والوضوح بأنهم لا يتوقعوا من الله شيئا الا سنن الله التى جرت وصدقت على كل السابقين من البشر0
ولقد رجوت حضراتكم ان تتأملوا تلك الآيات لان فيها نظر كبير ومعانى عظيمة وتحوى حكمة ربما اذا ما تدبرناها وتفهمناها تغير كثيرا من نظرتنا لهذا الكون0 فلماذا حكم الله باستمرار سريان سنن الاولين والغابرين علينا وخضوعنا لنفس القانون وعين الناموس القديم ؟ وفى رأى المتواضع ان هذه المساواة فى الاحكام بين خلق الله هى العدالة الالهية فى اروع صورها لانه لو حكم الله على الاولين بقانون ثم حكم على المحدثين بقانون اخر لحسبنا ان الله يكيل للناس بمكيالين ولما تساوت الموازين بين البشر ولذلك ظهرت الوحدانية الالهية فى وحدة ذلك المنهج الالهى العادل0
وايضا يأتى فى طيات كتاب الله القران ذلك التحذير الصريح 00 ذلك التحذير الذى لا يخص الماضى الذى انقضى وانتهى وحدة بل يشير الى المستقبل بكل تأكيد 0
ولم يتركهم الرسول عليه السلام يظنون ان هذا التحذير قد قصد به اقواما اخرين غيرهم فكان التحذير الصارخ فى حديث الرسول علية السلام ( والله لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراع بذراع حتى اذا دخلوا جحر ضب دخلتموه فقالو اليهود يا رسول الله قال فمن ! )
وفى آية لها دلالة لا يخطأها الوجدان ولا تعمى عنها البصيرة يقول تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً }الأحزاب69 وهذه الاية فيها ثلاث مفاهيم
والذين كذبوا موسى كانت الأمة السابقة على مجيئه , فمنهم فرعون وهامان ومنهم من كان من المؤمنين برسالة يوسف علية السلام فاتهموا سيدنا موسى علية السلام بالكذب والكفر والسحر 000000 الخ
ولكن الله اظهر براءته وجعله الأعلى ووجيها في الأرض وفى السماء 0والمعنى المستفاد من هذا التحذير الذي أطلقه القران الكريم – هو التحذير الواضح من إتباع سنن الأولين – بمعنى أن لا تكذب الأمة الإسلامية الرسول القادم إليها هو حضرة بهاء الله كما فعل السابقين لان الله سوف يظهر براءته من هذا التكذيب تماما كما فعل مع سيدنا موسى عليه السلام ويبرز مقامه العظيم 0 وإذا كان هناك مفهوم آخر لتلك الآية فلماذا قال الله لا تكونوا مثل تلك الأمة إذا لم يكن هناك رسول جديد ياتى 0 وأيضا تتوالى التحذيرات وتترى لمن له سمع فليسمع
وتتوالى ما ينتظره الناس من نبأ ما بعدكم كالغيث الهاطل0
ولا يصح ان نقول ان هذا الخطاب كان لليهود دون غيرهم فعندما يوجه الله الخطاب الى قوم من الاقوام لا يختص هذا الخطاب بهم وحدهم بل يكون خطابا يشمل كل الانسانية قديمها وحديثها ايضا فرحمة الله تعم وتشمل كل الناس والتحذير والتبشير لكل خلق الله دون تفرقة او تمييز فمثلا عندما عاتب الله سبحانه وتعالى رسوله قائلا
فهل كان المقصود من هذا العتاب الرسول وحده أم هو ومن بعده الأمة بكاملها وكان الرسول عندما يرى شيئا ينكره من احد الناس وفرد بعينه لم يكن يوجه خطابه له وحدة بل كان يقول ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا فكان خطابة شاملا وعاما للمحيطين من حوله ودرسا وعظة لمن يأتوا من بعده 0
وتفضل حضرة بهاء الله موضحا هذا المعنى فى سور ايوب متفضلا :
” قل أما نزل في الفرقان بقوله الحق كذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً وفسرتم هذه الآية بأهواء أنفسكم وكنتم موقناً معترفاً بما نزل بالحق لا يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم… إذاً فسئل عنهم كيف يفسرون ما نزل من جبروت العزة على محمد عربياً وما يقولون في معنى الوسط لو ختم النبوة به فكيف ذكرت أمته وسط الأمم… وقالت اليهود تالله هذا الذي افترى على الله أم به جِنة أو كان مسحوراً. قالوا إن الله ختم النبوة بموسى… والذي يأتي من بعد يبعث على شريعتها… والذين أوتوا الإنجيل قالوا بمثل قولهم… قل قد بعث الله رسلاً بعد موسى وعيسى وسيرسل من بعد إلى آخر الذي لا آخر له بحيث لن ينقطع الفضل من سماء العناية يفعل ما يشاء ولا يُسئل عما يفعل وكلٌ عن كل شئ في محضر العدل مسئولاً.“( لوح أيوب ص 273 )0
والقصد أن البشرية وعدت بان هناك امة ستأتيهم بالبيانات مثل باقي الأمم ويحذرهم الله من رفضها والاستكبار على آياته وشرائعة التي جاءت مصدقة لما بين أيدي أتباع الأديان جميعا ومؤكدة بتواصل الرسالات واستمراريتها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وفى خلال تلك الساعات العصيبة سوف نرى كيف ذلك اليوم الذى فيه (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ) الزمر69
This entry was posted on السبت، 29 نوفمبر 2014 at 12:47 م and is filed under Uncategorized. You can follow any responses to this entry through the RSS 2.0 feed.
You can leave a response, or trackback from your own site.